تتسلل ظاهرة الاتجار بالبشر في العراق بصمت مخيف، متخذة أشكالاً متنوعة ومعقدة تغيب عنها الإحصاءات الرسمية، حيث يوثق الإعلام قصصاً مؤلمة عن استغلال البشر في أعمال غير مشروعة، سواء من خلال العمالة القسرية أم الدعارة القسرية، أم حتى تجارة الأعضاء.
ويملك العراق قانونا يكافح ملف الاتجار بالبشر، شُرع في العام 2012 بهدف التصدي لهذه الجريمة وحماية الضحايا، إذ جرّم القانون الاستغلال الجنسي والاسترقاق والعمل القسري.
دور مفوضية حقوق الانسان
وكشف سرمد سعيد البدري المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان، عن دور الأخيرة في مكافحة الاتجار بالبشر في العراق، موضحا أن المفوضية تمارس دور المراقب ضمن اللجنة المركزية لمكافحة الاتجار بالبشر، المشكلة وفق القانون رقم 28 لسنة 2012».
وأضاف في تصريح لمراسل «طريق الشعب»، أن «المفوضية تشارك في كافة الاجتماعات الدورية التي تُعقد في بغداد برئاسة وزير الداخلية وعضوية الجهات المختصة. ولديها لجان فرعية في بغداد والمحافظات برئاسة المحافظ وعضوية ممثلي الدوائر كافة والمجتمع المدني».
وأشار البدري إلى أن «الجهة المعنية بتقديم الإحصائيات هي رئاسة اللجنة المركزية، التي لديها متحدث من مديرية مكافحة الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية. ومع ذلك، لا توجد إحصائية رسمية كافية بعدد الضحايا على مستوى البلاد لأسباب متعددة، منها الأمنية والاجتماعية».
وأوضح، أن «عدد المقبوض عليهم يوميًا من المتسولين بالعشرات، لكن المشكلة تتفاقم بسبب عدم وجود بدائل أخرى مثل فرص العمل والرواتب أو دور الإيواء الكافية لضحايا الاتجار بالبشر أو من ينخرطون في تجارتها. كما أن العديد من المجني عليهم والضحايا يخشون تقديم الشكاوى والبلاغات بسبب التقاليد الاجتماعية».
وتابع البدري قائلا، إنّ «المفوضية تسعى دائمًا لتعزيز التواصل مع الهيئات الدولية والإقليمية المختصة بهذا الجانب، والتعريف لما توصل إليه العراق في معالجة تلك الظاهرة. وإذا عدنا لأنواع جرائم الاتجار بالبشر، فسنجدها تتنوع بين استغلال الضحايا للكسب المالي عبر الدعارة والجنس والسخرة والتسول، بالإضافة إلى العمالة المحلية والأجنبية من الدول الفقيرة، وخاصة من شرق آسيا وجنوب إفريقيا، الذين يدخلون بفيزا سياحية ويتم احتضانهم من قبل مكاتب تشغيل غير مرخصة. كما يُعَدّ الاتجار بالأعضاء البشرية من أكبر المشاكل التي يعاني منها العراق».
تعزيز الوعي لدى الطبقات الفقيرة
ودعا البدري الأجهزة الأمنية والاستخبارية لـ»الكشف عن تلك الجرائم عبر الاستدراج في مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في المطارات والمعابر الحدودية، حيث توجد مؤشرات على ضحايا يتم تسفيرهم الى خارج العراق لبيع أعضائهم البشرية برغبتهم».
وأضاف البدري، أن «المفوضية تطالب بتشديد العقوبات على مثل هذه الجرائم، خاصة التي تستهدف الأطفال والنساء». وأكد أن «الحكومة وضعت في منهاجها الحكومي محاربة القضايا التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان، ومنها جريمة الاتجار بالبشر. وقد أطلقت حملات كبرى أمنية وإصلاحية وخدمية في مناطق مثل البتاوين. وهناك جهود للأمن الوطني قرب المستشفيات المعروفة بعمليات زرع الأعضاء، مثل الكلى، لكن المشكلة تكمن في أن المتبرعين غالبًا ما يكونون من الطبقات الفقيرة ويتجهون بإرادتهم لطلب التبرع بالكلى، نتيجة نقص الوعي والحاجة الاقتصادية، ما يستدعي من الجهات المعنية توعيتهم».
واختتم البدري حديثه بالتأكيد على أن التوعية والتبليغ وتوفير مراكز الإيواء هي غاية قصوى من أجل حماية حقوق الإنسان في العراق.
على مرأى ومسمع من الحكومة
يقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان الدكتور فاضل الغراوي، أن «ظاهرة التسول ازدادت بشكل كبير جدًا في السنوات الأخيرة في جميع محافظات العراق، وأصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا يهدد الأمن الوطني».
ويضيف الغراوي لـ «طريق الشعب»، أن ظواهر التسول التقليدي والالكتروني والاتجار بالبشر هي عبارة عن مهن تُدار من قبل عصابات الجريمة المنظمة، التي تستغل بعض الأشخاص للحصول على مساعدات من خلال منظمات وهمية أو عناوين لجمعيات وهمية، أو المطالبة بتقديم مساعدات لأغراض العلاج عبر التسول الإلكتروني.
ويشير الغراوي إلى أن «الفئات المتسولة تضم بشكل كبير الأطفال والمراهقين والفتيات الذين يتم اختطافهم أو استغلالهم أو الاتجار بهم، بالإضافة إلى متسولين من جنسيات عربية وأجنبية تقودهم عصابات الجريمة المنظمة»، مبينا أن «هذه الظاهرة أصبحت تدر موارد اقتصادية كبيرة لهذه العصابات، ما يهدد الأمن المجتمعي والاقتصادي والثقافي، ويعكس صورة مشوهة عن البلاد».
ويبدي الغراوي أسفه إزاء انتشار هذه الظاهرة أمام مرأى القوات الأمنية ومؤسسات الدولة دون معالجات جادة.
ختاما، دعا الغراوي الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه الظاهرة، بما في ذلك القضاء على عصابات الجريمة المنظمة، وتطبيق قانون مكافحة الإرهاب عليهم، وإيداع المتسولين في دور إيواء أو مراكز شبابية، وتقديم برامج تأهيلية ونفسية لهم، إضافة إلى خلق فرص عمل حقيقية، مؤكدا ضرورة إعادة النظر في المواد القانونية المتعلقة بظاهرة التسول.
جرائم مقننة!
ويقول عمر العلواني من مؤسسة حق لحقوق الإنسان، أن «انتشار أقسام مكافحة الاتجار بالبشر في مديريات الشرطة العراقية يعكس تصاعد هذه الظاهرة في البلاد»، وأضاف: “في إطار الجهود الحكومية، أُنشئت هذه الأقسام لمواجهة التحديات الأمنية المرتبطة بهذه الجريمة، مما يعكس مدى خطورتها وانتشارها»، ويؤكد ان اغلب أنواع الاتجار بالبشر مقننة في البلاد.
وفي ما يتعلق بالعمالة الأجنبية، يشير العلواني في حديث مع مراسل «طريق الشعب»، الى أن «حوالي 90 في المائة من العمالة الأجنبية في العراق تُصنَّف كضحايا للاتجار بالبشر. وهذا يتجلى في النظام الذي تتبعه بعض الشركات، حيث تُجبر العمالة على دفع مبالغ مالية تُسمى «تأميناً»، بينما تُعتبر جوازات سفرهم صكوكا ملكية تُسلم إلى صاحب العمل الجديد، الذي يمكنه بعد ذلك بيعهم أو إعادة توظيفهم حسب الحاجة. هذه الممارسات تعكس ضعف حماية حقوق العمالة الأجنبية في التشريعات العراقية الحالية».
ويتطرق العلواني إلى ظاهرة استغلال السلطة العسكرية، حيث يُجبر بعض الجنود على العمل في بناء منازل الضباط دون مقابل، مستغلين سلطتهم العسكرية. هذه الممارسة، المعروفة بالسخرة، تعد شكلاً آخر من أشكال الاتجار بالبشر وتستمر بشكل واضح في العراق.
بالإضافة إلى ذلك، يشير العلواني إلى أن «استغلال الأطفال والنساء في التسول والدعارة يُعدّ من الأشكال الشائعة للاتجار بالبشر في العراق»، مؤكدا أن «هذه الممارسات أصبحت مشهداً مألوفاً في الشوارع، ما يعكس قلة الوعي الاجتماعي حول خطورة هذه الجرائم كونها محظورة قانونياً وشرعياً».