في مثل هذا اليوم من عام 1934، يوم كان الخير شحيحاً، والبؤس يلف الشوارع وأزقة الأحياء الفقيرة، المحروسة بالسياط والموت وتمائم الأنذال المتلونين في كل زمان ومكان، غُرست في بلادي، بلاد ما بين النهرين، بذرة الخير، فتحول إلى يوم لاتحاد طوعي بين مناضلين أشداء. ونما الغرس مروياً بأحلام الجياع فتفتح سنديانة رشيقة وسامقة، أزهرت بنفسجاً وياسمينا، وصارت متكئاً يستظل بها الكادحون المستغلون فتمنحهم القدرة على مواجهة قسوة الظلم، ويستشفي بثمارها المتعبون والمتعبات من جور عوالم الخيبة والخديعة والخوف.
وصار يوما للطيبة والفرح، رغم عذابات المنافي والسجون والإعتقالات والتشريد. يوماً لمصارعة الغول في أروقة الجامعات وورش المصانع وأكواخ القرى وحارات الجياع، في كل بقعة من أرض العراق الطاهرة. اليوم الذي أشرقت فيه شمس المدنية على بغداد، فرفضت أن ترضخ للتخلف أو أن تسدل ظفائرها المعطرة بالمسك والحناء إلا على أكتاف الحسناوات اللاتي رددنّ وزملاؤهن في ساحة التحرير عاليا وبحياء وقور (بغداد.. بغداد بينه باقية، بغداد.. بغداد بينه زاهية)، مكملين أهزوجتنا في السبعينيات، يوم تحدينا الفاشية (هيله يهلنه وإحنه منها وبيها … بغداد شمعة وما هوه يطفيها).
وصار 31 أذار عيداً لنا، لكل العراقيين الحالمين بوطن حر تسوده العدالة والمحبة، عيداً نحتفي فيه جميعاً، ترفرف علينا ارواح شهداء الحزب، وتحرسنا كما حرست راية الحزب، وكما أضاءت قناديل الكرامة لهذا الوطن.
وصار 31 أذار سماءً تطرزها أسماء الفتية البواسل، ولوحة ملونة بقصائد عريان السيد خلف، وهو يرسم في بغداد وعلى ضفاف دجلة الخير حدود الصبر ومسالك النصر، وبأناشيد ناظم السماوي وحمزة الحلفي وموفق البابلي والآلاف من مبدعي ومبدعات شعبنا، ممن تمسكوا بسنديانة الحزب، واستظلوا بفيها، واضحين الرؤى ومدركين إلى أين المسير.
تحية للشيوعيين ولعشاق الحرية، في العيد التسعين للحزب الشيوعي العراقي، مجدا لشهدائه الأبرار، شهداء العدالة الاجتماعية والسلام والدفاع عن استقلال البلاد وسيادتها، وشكراً لأني تعلمت من هؤلاء الفتية أن أحلم، وأن ارى غد الحلم حقيقة واضحة وبسيطة كالشمس.