اخر الاخبار

هل تتذكرون فضيحة وثائق بنما؟ يومها كُشفت أسماء طغمة الحكم الذين هرّبوا مئات الملايين من الدولارات المنهوبة من المال العام الى بنوك بنما! هل نسيتم صفقات الفساد التي لا تعد ولا تحصى؟ والتي كوّنت شريحة اجتماعية “مخملية” فاسدة؟ وقد يتطلب الامر التذكير بالمرابين وطرقهم في النهب (القانوني) للمال العام، وبقوائم الاستيراد الوهمية التي يقدمها المرابون أصحاب المصارف للبنك المركزي العراقي، في صفقات ما سمي رسميا بمزاد العملة. 

وما زالت الذاكرة تستحضر صلافة أحد المرابين واستهزائه بكل سلطات الرقابة وأجهزتها، حين بلغ به الاستهتار حد تقديم قائمة وهمية باستيراد (دشاديش مشككة) من الصين مقابل عشرات الملايين، وذلك باسم “محمد بن عبد الله بن عبد المطلب”. فهو استخدم في صفقته اسم الرسول الأعظم لتمرير صفقة شراء الدولار من مزاد العملة. 

وقد مرت تلك الفضيحة المجلجلة دون محاسبة، وتم طيّها بعد ان دام نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي ثلاثة أيام فقط. وهي المدة نفسها المتوقع ان يدوم الحديث فيها عن فضيحة عقد شركة عشتار (صفقة الفساد المبتكرة)، التي جاءت بمثابة عقد خدمات مصرفية وقعه مدير عام مصرف الرافدين مع شركة عشتار يوم 4/3/2021 . وبموجبه الزمت الشركة عراقنا المنهوب بتعويض لها يبلغ 600 مليون دولار، على وفق حكم قرار الحكم الابتدائي الصادر من محكمة البداءة المختصّة بالدعاوى التجارية في الرصافة، الذي حمل العدد (205/ تجارية/ 2021) والصادر في 26 / 7 / 2022.  وهو مبلغ يكفي لبناء وتجهيز الكثير مما يحتاجه العراق من مدراس ومستشفيات ودور عجزة ومصحات. 

وطبيعي ان يثير ذلك موجة عارمة من السخط  في اوساط الرأي العام، فاضطرت الشركة الى التنازل عن الدعوى واغلاقها، مذعنة بعد هياجها في البداية وتهديدها القائمين على الحملة. إذ كتبت في بيانها بتاريخ 7 آب 2022 انها “تحتفظ بحقها القانوني اتجاه القنوات والمحطات او الاشخاص او الصفحات التي تنشر او تتداول الاخبار المغرضة والكاذبة والمزيفة بحق الشركة وستقوم باتخاذ الاجراءات بحقهم ضمن الاطر القانونية” 

ويبدو ان السلطات المعنية ستكتفي بغلق الدعوى، بينما يتوجب ان تكون هذه القضية فاتحة لفتح ملفات الفساد الكبرى، وجلب حيتان الفساد وحلفائهم من طغمة الحكم امام التحقيق القانوني الجريء والفعال والجدي، وان يشمل ذلك كل المرابين نهّابي المال العام. حيث يقال ان صاحب الشركة المذكورة غدا حوتا مصرفيا، وصار يمتلك بقدرة قادر ثلاثة مصارف كبيرة، كل منها يدر عليه يوميا ما لا يقل عن خمسة ملايين دولار من مزاد العملة. وهو الذي كان  قبل التغيير - حسبما يقال ايضا - صاحب (بسطية). علما ان له امثالا من عديمي الذمم غدوا أصحاب مليارات بفضل مزاد العملة، الذي اصبح بابا للتربح الهائل تحت باب “شرعي”. هذا المزاد الذي زعمت “الورقة البيضاء” الحكومية زيفا وخداعا انها ستقلصه وستقضي على الفساد فيه، لكن المزاد بدلا من ان يتقلص اصبح بابه اوسع.

فظيعة هي الوقائع التي تتعلق بتحالف طغمة الحكم مع حيتان الفساد، وقد امتزجت السلطة السياسية عند البعض مع الوفرة المالية التي أمّنها لهم الفساد، وغدت اقلية حاكمة  (أوليغارشية). فلا يمكن تصور مرور هذه الصفقة وغيرها من صفقات الفساد، من دون تخادم طغمة الحكم مع حيتان الفساد وتشاركهم في النهب. وقد وصل التخادم بينهم درجة التحالف الوثيق، الذي لا تنفصل عراه. 

لهذا فليس ممكنا نجاح التغيير دون القضاء على حكم الأقلية المستبدة. نعم، لا تغيير حقيقيا دون محاكمة عادلة وعلنية ليس لطغمة الحكم وحدها جراء تلاعبها بالسلطة، ودورها في  التشريعات التي فتحت الباب للحيتان كي تنهب. فالمحاكمة يجب ان تشمل حيتان الفساد انفسهم، اذ لا اصلاح دون ارجاع الأموال التي نهبوها.

 ان بوابة الإصلاح هي التفعيل الحقيقي لشعار “من اين لك هذا؟”، وان أفق التغيير هو تحقيق العدالة الاجتماعية.

عرض مقالات: