اخر الاخبار

التغيير الذي ننشده ونريده ان يشمل بنية النظام باعتماد مبدأ المواطنة وباصلاح وظائف البنية ذاتها، لا يتحقق من دون قوى تؤمن بهذه الرؤية. وموازن القوى لا تتغير من دون بحث امكانية تنظيم المعارضة الشعبية، في اطار ينهض بالعمل السياسي المعارض. اطار يضم الاحزاب والقوى والحركات الديمقراطية والمدنية والاحزاب الشبابية الناشئة، التي تشكلت غداة انتفاضة تشرين، وبمساندة الحركات الاجتماعية المتنوعة. لكن وكما يبدو تعترض هذه الامكانيةَ عراقيلُ جمة، بينها الدور الخبيث لطغمة الحكم ومحاولاتها الدنيئة لاختراق الاحزاب الناشئة وتفكيكها, بالاساليب عينها التي اتبعتها في تفكيك الانتفاضة، أي ببذر الانقسام والتشرذم واصطناع الخلافات غير الاساسية.

وليست طغمة الحكم وحدَها من عمل على افشال تجربة بناء التنظيمات الجديدة، فهناك دور لبعض السفارات والمنظمات الدولية التي جعلت همَّ البعض من الناشطين التزاحم على دورات تدريبية وتأهيلية تقام في فنادق خمس نجوم. وبذلك نقلت امراض بعض منظمات المجتمع المدني، التي لا نشاط لها وسط الناس سوى التنقل من دورة تنظمها هذه المنظمة الى ورشة تقيمها منظمة خرى.

وهناك بجانب هذا النظرة السلبية الى العمل، بسبب ارث النظام الدكتاتوري السابق الذي رسخ مفهوم الحزب الواحد وجعله باباً للانتفاع والانتهازية عبر تمجيد الدكتاتوية والاذعان للتسلط. وتحوّل الحزب في نهاية المطاف الى سوط بيد الدكتاتور وأداة لإحصاء انفاس الناس. حتى صارت الناس تشمئز من العمل الحزبي، ونشأت ظاهرة الرفض له، وشجب التحزب بشكل عام، ما ادى الى ابتعاد المواطنين عن العمل الحزبي.

من جهة اخرى رسخت ممارسات احزاب الطغمة التي تربعت على السلطة منذ عام 2003، ظاهرة تشويه العمل الحزبي، حيث انتجت الزبائنية بجعلها الحزب السياسي بابا لتأمين الوظيفة والتكسب غير المشروع.  وكانت نتيجة ذلك ابقاء الساحة السياسية محتكرة للقوى المتنفذة وحرمان القوى التي تعارضها منها، كي تبقى المنافسة السياسية محصورة بينها. ولابد من الاشارة الى تخلي النخبة المتنفذة عن دورها في التصدي لذلك، حيث تعد الاحزاب من اهم ركائز النظام الديمقراطي.

 ومن المؤسف ظهور علائم تفكك تنظيمي في بعض الاحزاب الشبابية التشرينية، وهذا يثير قلقا من فشل التجارب التنظيمية التي كان يؤمل لها الاستمرار، من خلال ادراك مقتضيات العمل الحزبي وفهم آلياته وحاجته الى العمل المشترك والاتفاق والقدرة على ادارة الاختلاف ضمن وحدة الاطار، وحل الخلافات في الاطر التنظيمية الداخلية.

فالعمل الحزبي يتطلب الايثار والاستعداد للتطوع وتفهم الاختلافات، واشراك اوسع طيف في صنع القرار وضبط الآليات الديمقراطية الداخلية وردم المسافات بين القيادة والقواعد الحزبية، ومعالجة الخروقات الحزبية بروح تجمع ولا تقصي. مع اعادة الاعتبار الى العمل الحزبي الذي هو بالاساس عمل سياسي راقٍ، يستند على التطوع والعمل من اجل الشأن العام عبر طرح برامج وآليات تخدم ما يمثله الحزب من مصالح عامة وليس شخصية وفئوية وحزبوية ضيقة.

من جهة اخرى يكاد يكون مفهوما ان تحدث اخطاء وهفوات خلال عمل المنظمات الشبابية، بالنظر لحداثة التجربة ونقص الخبرة. وهذا لا يعني فشل العمل الحزبي، وانما يستدعي الواجب معالجة كل ذلك بروح الحرص، فوجود هذه الاحزاب ضروري ويحتاج الى الدعم والمؤازرة وتقديم العون والنصيحة والمشورة. ولا يمكن تنظيم المعارضة الشعبية من دون تنظيم العمل الحزبي المعارض، بكل اطيافه والوانه وترسيخ وجوده في المجتمع. وهذا ما يجعل قناديل الامل متقدة، تبشر بالخلاص من المحاصصة والفساد والطائفية السياسية.

عرض مقالات: