اخر الاخبار

عديدة كانت بقاع الأرض وشعابها التي وطأتها قدماي، لائذا بها من جحيم البعث ومخالبه الدامية، من وديان موحشة، لم يؤنسني فيها سوى ما علق في ذاكرتي من زغاريد النسوة الشيوعيات، وهن يودّعن في مهرجانات العذاب حادياً لم ترهبه المشانق، فردد بعزم: “الشيوعية اقوى من الموت وأعلى من اعواد المشانق”، ومن جبال كللتها الثلوج ولم تدفئني فيها سوى دموع رفاق، حال الفاشيون بينهم وبين الوطن البعيد. ومن صحارى قاحلة لم يروي ظمأي فيها سوى حنان الصحب، وهم يُشهِدون العالم على طيبة الشيوعيين ونقاء سرائرهم وطهارة ذممهم، وعلى قلوبهم التي جمعت بين صلابة الحق ورقة الزهور.

كنت أتساءل دوماً، عن السر وراء موقفي هذا؟ هل أنا أهوى الموت والعذاب أم أعشق سحر وجمال الحياة؟ والى متى أبقى منصهراً بالوطن، وبحلم بهيّ، صاغته لي أحلام طفولة سُرقت ومطامح فتوة وئدت، والى متى أمضي مستنزفاً بصورة “عراق شفيف دائر بدمي”؟ أهذا ما كُتب على جبيني؟

وطالما جاء الجواب سريعاً وواضحاً: إيماءة حنونة الى الدرب الذي إخترته. فجمعني بأناس ارادوا وطناً يزهو بحريته، خالياً من الجوع والفقر وإمتهان كرامة البشر، وأرادوا شعباً سعيداً يمتلك إرادته وينال حقوقه في المعرفة والصحة والتقدم ، تسوده قيم الوفاء والأخوّة الصادقة والحب. درب جمعني بأناس أرادوا شعباً بلا آهات، ومدناً بلا صرائف ومستنقعات، وبلاداً بلا طغاة وفاسدين. ومنذ شبابي علمت أن هذا الدرب كان درب لينين!

طالما افتخرت بخياري وانتمائي، لا سيما حين أرى أمهاتٍ يبحثن لصغارهن عن الطعام في مزابل بلاد النهرين! أو حين أرى أطفالاً عراة يلوذون بأمهاتهم ليدرؤوا قسوة البرد في بلاد النفط! طالما  افتخرت لأني أيقنت أن لا خلاص لهؤلاء جميعاً الا بالسير على دربنا ذاته، درب لينين، حيث لا شقاء ولا تمييز ولا فقر، حيث يستعيد الإنسان آدميته وينطلق نحو غده المشرق، مهما كان لونه أو دينه أو قوميته أو جنسه أو لغته.

لم أندم يوماً على خياري. في كل عام يتجدد اليقين، وأشعل شموع الفخر على قبور الراحلين، أصدقائي الجميلين. كل عام أخاطب صديقي سمير مهدي شلال، وأدعوه أن ينفض غبار المقبرة في “بشت آشان” ويطل، رغم الموت والخديعة والخيانة، عساه يطفئ حرقة قلب أمه الثكلى، ويفضح القاتل، فنستعيد ذكرياتنا في حي الأكراد، الذي صارت أعمدة النور فيه وبعض خرافه مزارات للمغفلين.  

كل عام، يتجدد اليقين، حين أتذكر ما بناه لينين، وما وضعه بين أيدي البشر من مفاتيح الخلاص. حين أقرأ لينين وهو يحث الناس، بمن فيهم المتدينون، أن ينتموا للدرب، من أجل خلاصهم، فلا تضارب بين إيمانهم وبين النضال، بل هناك ـ ربما ـ إتساق وتناغم، من أجل أن يعم الخير والسلام هذه الأرض.

وكل عام حين يتجدد اليقين، ويظل العار يلاحق كل اعداء الشيوعية، من الرئيس السجان الى صدام، حادي ركب الطغاة الى مزابل التاريخ، أقف منتشياً ممتنا لمن وضعني على درب لينين، وحقق القدر الذي كُتب على جبيني!