اخر الاخبار

 في أحد الصباحات شديدة البرودة، وأنا أسير في أطراف “قرية المكوك” بناحية القيارة جنوبي الموصل، هالني حد الصدمة أمر شديد الحساسية في زمن فقدنا فيه العدالة الاجتماعية!

فعلى طريق منعرج وزلق نتيجة الامطار، شاهدت طفلا عمره قد لا يتجاوز الثامنة، مرتديا ملابس قديمة بالكاد تحمي جسده النحيف من البرد، ومنتعلا حذاء بلاستيكيا أكبر من قدمه – ربما يعود لشقيقه الأكبر.

في تلك الاثناء، جاشت في مخيلتي تساؤلات عديدة عما يفعله هذا الطفل في الطريق، تزامنا مع وقت جلوس أقرانه على مقاعد الدراسة، أو استمتاعهم بيوم عطلة. 

دققت النظر فيه، فوجدته يحمل كيسا من تلك التي تستخدم في نقل دقيق القمح. حاولت معرفة ما كان يحمله داخل الكيس، فسرت بالقرب منه، لكنه فضل السير خلفي، وكأن ذلك يقيه من الريح العاتية الباردة!

حاولت تخفيف الحمل عن الطفل، فمددت يدي لمساعدته ورفعت الكيس عنه، وإذا به يحتوي على كرتونات فارغة. سألته: ماذا تفعل بهذه الكرتونات والأغلفة؟ فأجاب بصوت مرتعش من البرد: أبيعها!

سألته بعدها: منذ متى وكيف تباع هذه الكرتونات؟ فأجابني: أنا اجمعها ثم أبيعها. أفضل وقت أحصل فيه على تلك المواد، عقب العواصف. إذ أجدها منتشرة في الطرقات.

تساءلت في داخلي: أي عاصفة تلك التي عصفت بأحلام هذا الطفل!؟ لكن ما أسال دمعي هو السعر الزهيد لتلك الكرتونات. فكل كيلوغرام منها يباع بـ 100 دينار!

تجرأت وسألت الطفل عن السبب الذي يدعوه لمزاولة هذه المهنة. فأجاب: أعيل عائلتي بما اجمعه من مال.

عدت فسألته عن وضع عائلته. فأجابني بحسرة وألم شديدين: أبي اختطف عام 2016 على الطريق الرابط بين صلاح الدين وبغداد، ولم يعد حتى الآن. وأضاف: أبي كان شرطي مرور، ذهب إلى بغداد برفقة 20 شرطيا آخرين، لغرض المباشرة في مقر بديل عن مديرية مرور نينوى، عقب احتلال المحافظة من قبل إرهاب داعش.

حين تحريت عن الأمر، اكتشفت ان الاختطاف حدث بالفعل، وأن أهالي المختطفين لم يتركوا بابا إلا وطرقوه للوصول إلى أبنائهم، ودون جدوى.

ليس لنا سوى أن نناشد باسم الإنسانية والضمير، كل وطني شريف يعرف عن هؤلاء المختطفين شيئا، إبلاغ عائلاتهم. أو على أقل تقدير أن تشرع الدولة بصرف رواتب لعائلاتهم، من أجل سد حاجاتها المعيشية في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة.

عرض مقالات: