اخر الاخبار

من يرصد نتائج الانتخابات البرلمانية التي تعاقبت منذ التغيير، بدءا بأول عملية اقتراع في ٣٠ كانون الثاني ٢٠٠٥ لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية، يكتشف تراجع معدلات المشاركة طرديا، حتى وصلت في انتخابات 10 تشرين الأول ٢٠٢١ الى نسبة ضئيلة جدا بكل الحسابات، في وقت كان ينبغي فيه ان تحظى بمشاركة واسعة باعتبارها مطلبا شعبيا رفعته انتفاضة تشرين، وجعلته في أولوياتها كمطلب رئيسي، لكن اغلب المنتفضين سرعان ما اعلنوا مقاطعتها، لأسباب سبق وان جرى التطرق اليها.

واكدت نتائج انتخابات هذا الشهر حقائق عديدة، أولاها عدم ثقة المواطنين في النظام السياسي، اذ عكست ارقام المقاطعة اتساع الفجوة بين الشعب والقوى الماسكة بالسلطة. وتحدثت لغة الأرقام ليس فقط عن تراجع واضح في حجم المشاركة، انما كذلك عن تراجع كبير للقوى التصويتية لكل الأطراف المتنفذة وحتى الفائزين منها، حيث لم يحصل أي منهم على ما حصل عليه من الأصوات في انتخابات ٢٠١٨. وبهذا المعنى فقد لحقت بجميعهم خسائر تصويتيه فادحة، عكست تراجع ثقة ناخبيهم التقليديين بهم. ويبدو انهم حتى الان لم ينظروا في هذه النتيجة، ولم يتمعنوا في معانيها وتداعياتها على المستوى القريب والبعيد ايضا. فالمقاعد التي حصل عليها بعضهم، هي فوز خادع لا يعكس حقيقة الحجوم التصويتية. بمعنى آخر لو قسمت الأصوات التي حصل عليها الفائزون في هذه الانتخابات وفق أية الية توزيع أخرى للمقاعد، غير هذه المنصوص عليها في قانون الانتخابات الحالي، لأتضح بشكل جلي حجم الخسارة الفادح.

ويعني تراجع اعداد المشاركة في نهاية المطاف، ان المواطنين فقدوا ثقتهم تماما بإمكانية التغيير عبر آلية الانتخابات، فالشعور بلاجدوى المشاركة كانت له الغلبة في هذه الانتخابات. كما تجدر الإشارة الى التصويت العقابي الذي جرى لبعض القوى التقليدية، حيث منيت بخسائر تصويتية لافتة وغير متوقعة، ما اصابها بأغماء لا يبدو انها ستفيق منه بيسر وسهولة. ولا تخفف من هول الخسارة حملة التشكيك بالإدارة الانتخابية واتهامها بالتزوير، كما ان عدم الاعتراف بالنتائج لا يغير طعم مرارة الخسارة التي لحقت بهم.

لقد كانت نتائج الانتخابات بمثابة كاشف جديد لأزمة نظام الحكم الذي يتصارع المتنفذون على مركز القرار فيه، وتأكد للمواطنين ان الانتخابات في نظر الطغمة ليست الا صراع على كراسي تؤمن لهم التمترس في مواقع السلطة، وليس في وارد أي منهم احداث التغيير المنشود، وبث الامل بتحسن الأوضاع المعيشية التي فاقمها تراجع قيمة الدينار امام الدولار.

ان المتابع للاجتماعات واللقاءات الكثيرة بين رؤوسهم لا يسمع غير ما يتسرب من اخبار تشير الى تفاهماتهم، وسعي كل طرف منهم الى تشكيل الكتلة النيابة الأكثر عددا، والانكباب على توليفة التوافقات لتقاسم السلطة. وهذا كله  يؤكد حقيقة لا تدحض، حقيقة  عدم وجود أية نية عندهم لمغادرة طريقة الحكم المبنية على الاصطفافات الطائفية، وتمسكهم بنهج المحاصصة المقيت رغم كل نتائجه الكارثية.

عرض مقالات: