تجاوزت مبيعات مزاد العملة مبلغ 65 مليار دولار بنهاية تشرين الأول الماضي فيما يتوقع مختصون وصولها إلى 75 مليار دولار في نهاية هذا العام، في مؤشر صارخ على فشل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من عمليات تهريب العملة وغسيل الأموال، لاسيما بعد أن بلغ الفرق بين مبيعات البنك المركزي من العملة الأجنبية (40.9 مليار دولار) وحجم الإستيرادات من المواد السلعية والمنتجات النفطية (24.6 مليار دولار) مستوى لم يسبق له مثيل. هذا ويدرك الجميع بأن المستفيد الرئيسي من مزاد العملة كنافذة أساسية للتدفقات المالية غير المشروعة، هم حيتان الفساد من المتنفذين أو من يمولونهم.
خريف القمع
سجلت أشهر الخريف هذا العام تصاعداً بشعاً في حملات القمع التي يتعرض لها العراقيون عندما يحاولون التعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم، حبث أُستخدم الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه الحارة والضرب المبرح والاعتقالات والتهديدات بالقتل والاختطاف ضد تظاهرات ذوي المهن الصحية، وخريجي محافظة ذي قار والمحتجين على الاعتقالات في المحافظة، وتظاهرات العاطلين في البصرة، والمطالبين بإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين، والمحتجات على تعديل قانون الأحوال الشخصية. هذا وفيما تستمر الاعتقالات المخالفة للدستور والقانون، تشير الأخبار إلى أن "أولي الأمر" لم يتعظوا من التاريخ، فعمدوا لاستيراد ثلثي ما تنتجه كوريا الجنوبية من الغاز المسيل للدموع لقمع معارضيهم.
ما يستحق أن يُقتدى به
قررت حكومة إقليم كردستان عدم شمول جرائم قتل النساء بقانون العفو العام المعمول به في الإقليم منذ عام 2017، فيما جرى الإعلان عن إنشاء مراكز لمكافحة العنف ضد المرأة ومراكز استشارة الأسرة، وإنشاء خطوط ساخنة وتطبيقات لمساعدة المعرضين للخطر. هذا وفي الوقت الذي تفتقد فيه البلاد لقانون فيدرالي ضد العنف الأسري ويتهيأ مجلس نوابها لتصفية ما للمرأة من حقوق عبر تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188، يدعو النشطاء جميع الحريصين على مستقبل مزدهر للعراق للتحرك من أجل الاقتداء بهذه السنن الجيدة التي تتبع في كردستان وإحباط مساعي المتنفذين لإعادة عجلة التقدم للوراء.
وهل تغير شيء؟
قبل عام مضى، نشرت صحيفة النيويورك تايمز، تقريراً عن الفساد في العراق، أشارت فيه إلى أن المتنفذين نهبوا بين 150 و300 مليار دولار، وإنهم يسيطرون على واردات المطارات والمنافذ الحدودية والموانيء، وأن شركاتهم الوهمية اشترت عقارات في لندن من المال الذي تحصل عليه في مزاد العملة، وأن سياسة الاستيراد المنفلت ليست سوى وسيلة لغسيل الأموال، فلا يعقل أن تستورد البلاد طماطة بقيمة 1.66 مليار دولار وبكمية تفوق 1000 مرة احتياجاتها. المتغير الرئيسي في هذا العام كما يبدو، كان سرقة القرن التي أدت لضياع 2.5 تريليون دولار، سُجن بسببها رجلان لمدة عشر وثلاث سنين فقط.
بَعَد ما بِدينَه!
كشف عضو في لجنة التخطيط النيابية، عن قيام الشركة العامة للسكك الحديد بإبرام عقد لوضع تصاميم لمسار من الفاو إلى الشعيبة بقيمة 30 مليون دولار رغم أن هذا المسار كان قد تم تصميمه قبل 14 سنة من قبل شركة إيطالية وبمبلغ مماثل. كما أشار النائب إلى وجود أخطاء تقنية تثير الشك في مشاريع الشركة الأخرى. هذا وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة قد حاسبت قبل فترة إدارة الشركة لشبهات فساد قُدرت بنحو 22.5 مليار دولار، تثير هذه الأنباء مخاوف الناس من تفشي الفساد في مشروع التنمية الإستراتيجي قبل أن تجد خطواته الأولى النور.