اخر الاخبار

تعاني المصانع التابعة للدولة اليوم من توقف كامل فيها، بسبب التخريب أو السرقة والإهمال. والأزمة لا تتوقف هنا إذ أنه فوق تعطيل هذا القطاع، تدفع ملايين الدولارات من موازنة الدولة لموظفي العديد من المصانع التي هي شبه متوقفة، والتي لا تتعدى عشرين بالمائة من مجموع المصانع الإنتاجية البالغة أكثر من 2000 مصنع.

وكانت منتجات هذه المصانع تحظى سابقا بمقبولية لدى الشارع، وتسد حاجة السوق المحلية، وأسعارها تناسب دخل الفرد.

ويبلغ عدد المصانع في البلد نحو ستين ألف مصنع، منها ثلاثة واربعون ألف معطل. أما غير المسجلة فهي تقدر بنصف أعداد المصانع المسجلة أو أكثر بحسب إحصائيات أعلن عنها رئيس اتحاد الصناعات، عادل عكاب في تصريح سابق.

أسباب غلقها

وعن التأثير الاقتصادي لغلق المصانع، يذكر الخبير الاقتصادي الاكاديمي د. عبد الرحمن المشهداني، ان “غلق المصانع أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي العام للبلد”، مبينا ان “اغلب المصانع تم إيقافها بقرار سياسي، والبعض الآخر هو مدمر ومتروك”.

ويقول إن هناك “مافيات تجارية وطمعا لدى بعض الكتل السياسية بشراء هذه المصانع بعد ارهاقها، بسعر بسيط ورمزي، واستثمارها كأرض او بإنتاج مواد تعود إليهم بأموال هائلة”.

ويضيف المشهداني في حديث لـ “طريق الشعب”، انه “لم يكن هناك تنسيق مع الوزارات لغرض الاعتماد على المنتج المحلي، والتسويق له، والابتعاد عن الاستيراد الاجنبي، وهذا أيضا سبب في فشل وغلق هذه المصانع”.

بطالة مقنعة

ويرى المشهداني، أنه “كان من الممكن تشغيل المصانع العراقية، وما زال بالإمكان خاصة أن خطوط الإنتاج تم تحديثها في عام 2001، لكن السياسات الحكومية الخاطئة ساهمت في إفشال القطاع الصناعي من خلال ضخها لعشرات العاملين دون تقديم أي إنتاج، بالشكل الذي جعلها تبدو خاسرة”.

بدورها، تؤكد عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، سميرة الخفاجي “وجود بطالة مقنعة تتمثل بأعداد كبيرة من الموظفين تفوق حاجة الشركات الصناعية بنسب عالية جداً”، لافتة الى ان “الاستمرار في دفع الرواتب من دون عمل يساهم في إرهاق موازنة الدولة وهدر الموارد المالية التي يمكن الاستفادة منها لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والبنى التحتية”.

وتوضح في حديثها لـ”طريق الشعب”، انه “إذا تم تفعيل المصانع العراقية فستتم الاستفادة من خبرات هذا الكم الكبير من الموظفين، كونهم منحوا تدريبات كثيرة في تخصصاتهم من قبل الدولة، بالإضافة الى نقل خبراتهم الى الأجيال الجديدة”، مبينة ان هذه المصانع يجب ان تفعل بنفس المواصفات التي بنيت على أساسها”.

الاكتفاء الذاتي

وتابعت الخفاجي، “كانت معامل الأدوية والغزل والنسيج والألبسة والأسمدة والفوسفات ومصانع السكر ومصانع الإسمنت والحديد الصلب والصناعات الدقيقة، وأخرى للمواد الغذائية والألبان، تحقق الاكتفاء الذاتي، لكنها اليوم باتت عالة على الدولة التي تدفع رواتب الآلاف من موظفيها والعاملين فيها من دون أن يقوموا بأي عمل”.

وتردف سميرة الخفاجي، أن “اغلب الطاقات الشبابية هي عاطلة عن العمل، او يعملون خارج تخصصاتهم بمهن بسيطة جدا، وهذا ما يؤثر على دخل الالاف من العوائل”، لافتة الى ان “هذه الطاقات يمكن ان يتم استيعابها وتشغيلها عن طريق إعادة تشغيل المصانع”.

وكانت وزارة الصناعة قد أعلنت خلال العام السابق عن وجود نحو اربعين ألف موظف فائض عن الخدمة، وصرحت بعجزها عن تأمين رواتب موظفيها. ووصفت نفسها “بشبكة الرعاية الاجتماعية”.

وقال وزير الصناعة والمعادن خالد بتال، في مؤتمر صحفي، ان “وزارة الصناعة باتت أشبه بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فهي تدفع رواتب لأشخاص، لا ينتجون شيئا، وهذا أشبه بما يحصل عليه العاطلون عن العمل”.

واشار الى ان “واقع الصناعة مر جداً وهناك تركة ثقيلة جدا من تراكمات السنوات السابقة”.

إغلاق متعمد

وتوضح سميرة الخفاجي انه “تم صرف مبالغ كبيرة من الاموال ضمن الخطط الاستثمارية في وقت الميزانيات الانفجارية الى هذه المصانع”، معتبرة ان “غلقها وعدم عودة تفعيلها متعمد، ويعود لمصلحة بعض الأحزاب السياسية المتنفذة، التي تعمل على إضعاف المنتجات المحلية لأجل إنعاش الاستيراد الخارجي غير الخاضع للرقابة، وجعل العراق مستهلكا فقط، بالإضافة إلى وجود بيع للمناصب الذي رافقه عدم وجود الشخص الصحيح في المكان المناسب”.

وتشير إلى أن “الإنتاج المحلي لا يستطيع منافسة نظيره الأجنبي الذي تم اغراق الأسواق فيه، خاصة بعد رفع بعض الإعفاءات الجمركية”.

المدن الصناعية

وفي السياق، يذكر مستشار التنمية الصناعية، عامر الجواهري، ان “القطاع والمدن الصناعية تلعب دورا مهما في إعادة تعزيز اقتصاد البلد، من خلال الاعتماد على المنتج المحلي والابتعاد عن استيراد المنتجات الأجنبية، بالإضافة الى توفير فرص عمل للشباب من العاطلين منهم”.

ويذكر في حديثه لـ”طريق الشعب”، ان “إنشاء المدن الصناعية يتطلب اعداد دراسات وخطط واضحة بشكل مسبق”، معتبرا انها احدى الضرورات لتطوير وتنمية الصناعة في أي بلد.

يشار الى ان العراق أعلن في شهر كانون الأول من العام الماضي عن مساع إلى فتح مدن صناعية واقتصادية جديدة مع إيران والسعودية وتركيا.

عرض مقالات: