في الوقت الذي كان فيه العراقيون يأملون بإجراءات عاجلة تدعم سلتهم الغذائية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، جاءت أزمة ارتفاع الأسعار لتبدد تلك الآمال - خاصة مع بداية شهر رمضان الفائت – بعد أن طاولت أهم السلع التي تشهد إقبالاً كبيراً من قبل المستهلك، مثل بيض المائدة ولحوم الدواجن، وهي إنتاج محلي شهد تراجعاً وإهمالاً منذ سنوات.
تبرير جاهز
غالباً ما تلقي الجهات الرسمية باللائمة على “المتلاعبين بالأسعار من التجار”، الذين يرفعون أسعار الدواجن والبيض من اجل خلق زوبعة في السوق وضرب المنتج المحلي. وهو ما وجده أحد المستثمرين في قطاع الدواجن “تبريراً جاهزاً اعتاد المسؤولون على إطلاقه كلما اشتدت الأزمة”، مؤكداً في حديث صحفي، أن المنتج المحلي “يلفظ أنفاسه الأخيرة في ظل السياسات الاقتصادية الخاطئة”.
ويشير المستثمر، إلى ان العراقيين يستهلكون بيض المائدة ولحوم الدواجن بما تصل قيمته إلى أربعة مليارات دولار سنوياً، وأن الإنتاج المحلي لا يلبي ثلث الطلب، بينما يتم استيراد 70 في المائة من حاجة السوق، مقدرا حجم الطلب على بيض المائدة بما يصل الى 900 مليون دولار، ومن لحوم الدجاج حوالي 3 مليارات دولار سنوياً “كان بالإمكان توفيرها من خلال الاهتمام بالمنتج المحلي، بدل إنفاقها على الاستيراد” – بحسب المستثمر.
انهيار كبير
تشير التوقعات لانهيار كبير في صناعة الدواجن، خاصة في محافظة واسط التي كان سكانها يطلقون عليها تسمية “سلة خبز العراق” لوفرة إنتاجها الزراعي، والتي كانت توفر ما يزيد على 35 في المائة من إنتاج البلاد من الدجاج وبيض المائدة، و90 في المائة من هذا الإنتاج للقطاع الخاص أو المشترك. كما ساهمت المحافظة إلى حد كبير في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد أوقات الأزمات العصبية – بحسب محافظها محمد جميل المياحي، الذي توقع حدوث أزمة خطيرة قد تؤدي لغلق المئات من شركات قطاع الدواجن، وتسريح عشرات الآلاف من العاملين فيها.
ويوضح المياحي في بيان صحفي، أنه “في الوقت الذي تسعى فيه بلدان العالم لحماية منتجها الوطني ودعم اقتصادها وتشجيع الإنتاج المحلي، لاسيما الغذائي، نلاحظ تنامي حالة التهميش والإهمال للقطاع الإنتاجي العراقي الخاص في مختلف مجالاته”.
منافسة المستورد
يجمع اختصاصيون في الانتاج الزراعي، على ان القطاع الخاص الزراعي العراقي يعاني بطئا شديدا في النمو، لعدم ادراك أهميته من جانب، ولسياسة السماح لدول الجوار بإغراق السوق العراقية بمنتجاتها على حساب المنتج المحلي من جانب آخر.
ويشكو مستثمرون محليون من منافسة مستوردين “على علاقة بجهات متنفذة”، يعمدون لاستيراد منتجات رخيصة الثمن، كونها مدعومة من بلد المنشأ أو بسبب قرب انتهاء صلاحيتها، مؤكدين أن السماح بدخول هذه المنتجات بأسعار متدنية يضر بشكل كبير بالإنتاج الوطني.
ويذكر أحد هؤلاء المستثمرين، أن “هناك عراقيل توضع بشكل متعمد من قبل بعض المسؤولين، أمام الراغبين في الحصول على إجازة استيراد المواد التي تدخل في صناعة الدواجن، تماشياً مع رغبات مستوردي البيض والدجاج، وهم في الغالب على علاقة بالطبقة الحاكمة”.
ويلفت في حديث صحفي، إلى أن “قطاع الدواجن لو أتيح له النهوض، من خلال إدارة نزيهة ودعم حكومي، سيتمكن من سد حاجة السوق بشكل كامل، بدل إهدار هذه الأموال على الاستيراد، إضافة لتشغيل ما لا يقل عن 400 إلى 500 ألف من الأيدي العاملة”.
وتقوم دول العالم عامة بحماية المنتج الوطني من خلال إجراءات عديدة، منها فرض ضرائب على المستورد ودعم منتجها بتوفير وسائل ديمومته. وفي ما يتعلق بإنتاج الدواجن، فإن هناك الكثير من المتطلبات التي تأخذ الدولة على عاتقها توفيرها بسعر مناسب، مثل الأعلاف والأدوية والرعاية البيطرية، ما يشجع المستثمرين على العمل. وبحسب استطلاعات نشرتها وسائل إعلام، شملت عدداً من مربي الدواجن، فإن هذه الظروف غير متوفرة للعراقيين، بل على العكس من ذلك، فبسبب ارتباطات الجهات الحكومية المسؤولة عن هذه الإجراءات بجهات أجنبية، أصبح المستورد أرخص من المنتج المحلي، ويحظى بتسهيلات لا تتوفر للأخير.
ومن أجل السيطرة على السوق يلجأ المصدرون لبيع منتجهم بأسعار متدنية، حتى لو تسبب ذلك في خسارتهم، وهنا يتمكنون من تدمير الصناعة الوطنية، والسيطرة على السوق ليصبحوا المورد الوحيد، وعندها يرفعون الأسعار لتعويض خسائرهم.
ونظرا للوضع المادي المتردي للغالبية العظمى من العراقيين، فإن البحث عن الأرخص دون النظر إلى عواقب ذلك، يضيف لتدهور الإنتاج الوطني عاملا آخر.