بعد التوقعات الحكومية بشأن إمكانية وصول إيرادات العراق لهذا العام إلى 150 مليار دولار، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، دعا خبراء اقتصاديون إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز هذه العائدات. وفيما جرى التحذير من عواقب استمرار الفساد وسوء الإدارة والتوقع بتبديد الزيادة الكبيرة هذه، تم التشديد على أهمية إنشاء صناديق سيادية لاستثمار المبالغ الفائضة بالشكل الصحيح.
وطبقا لمنظمة اوبك فإن حصة الإنتاج النفطي الخاص بالعراق ستبلغ 4.509 ملايين برميل يوميا في شهر حزيران المقبل بعد اتفاق اوبك+ على زيادة 432 ألف برميل في اليوم.
تفاؤل حكومي بالإيرادات
ويتوقع المستشار المالي لرئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، أن تتجاوز إيرادات العراق خلال العام الحالي 150 مليار دولار.
وذكر صالح في تصريح صحافي طالعته “طريق الشعب”، إن “قراءة صندوق النقد الدولي وتوقعه بحصول قفزة بإيرادات العراق العامة خلال العام الحالي 2022، تنصب على إجمالي الإيرادات العامة النفطية وغير النفطية للعراق الاتحادي”.
وبيّن أن “الصندوق ربما قدر متوسط الصادرات اليومية من النفط الخام بواقع 3.4 ملايين برميل يومياً وبمتوسط سعر سنوي 104 دولارات للبرميل المصدر من النفط أو أكثر مع إيرادات غير نفطية لا تقل عن 8 – 10 مليارات دولار. وإذا ما أضيفت إيرادات إقليم كردستان النفطية والأخرى فيمكن لإجمالي الإيرادات الاتحادية أن يتعدى 150 مليار دولار بكل يسر في نهاية السنة المالية 2022”.
وتوقع صندوق النقد الدولي، في وقت سابق، أن يحقق العراق قفزة في إيراداته العامة خلال العام 2022 بعد ارتفاع أسعار النفط، تصل إلى 149 مليار دولار وبنسبة تغيير سنوي تبلغ 73 في المائة عن العام 2021.
وبلغت العائدات النفطية لشهر نيسان الماضي 10.550 مليار دولار بصادرات قدرها 3.380 مليون برميل يوميا وبسعر 104 دولار للبرميل، ولذلك يصبح إجمالي العائدات النفطية المتحققة خلال الشهور الأربع الأولى من هذا العام 38.550 مليار دولار وهي أكثر من ضعف العائدات التي تحققت خلال نفس الفترة من عام 2021 التي بلغت 18.550 مليار دولار. وتساءل خبراء اقتصاديون عن كيفية التعامل مع هذا النمو، خصوصا وأن سوء الإدارة والفساد كانا أبرز أسباب التردي الاقتصادي وتهالك الاقتصاد.
ويصدر العراق سنويا أكثر من مليار برميل من النفط الخام، ويحتاج إلى نحو 90 مليار دولار سنويا لتغطية موازنته السنوية التي ترتبط في جزء كبير منها بصادرات النفط الخام.
مصادر دخل بديلة
ويرى الخبير الاقتصادي، الدكتور علي تويج، أنه لا بد من استثمار هذه الواردات المالية، التي تأتي نتيجة عوامل جيوسياسية قد تتغير، وأن يصب ذلك في بناء قاعدة إنتاجية منوعة، تحقق مصادر دخل بديلة.
ويقول تويج لـ”طريق الشعب”، إن “البلاد تعتمد بشكل شبه كلي على النفط، فعائداته تشكل أكثر من 90 في المائة من الموازنة العامة وكذلك أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي كانت الأزمة المالية وفترة الجائحة وما رافقها دليلا جليا على اضطرابات السوق وهشاشة الاقتصاد، لكن ما يعمق ذلك هو عدم امتلاك البلد صندوقا سياسيا يستثمر تلك العائدات ويحميها من الفساد”.
ويشير إلى أن “أصحاب القرار بإمكانهم تعزيز هذه الواردات بشكل أعظم لو تم تشغيل بقية القطاعات الأخرى الحيوية مثل الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من المجالات الواسعة، لكن ذلك ليس ضمن اجندات المسؤولين”.
ويتابع قائلا “اذا كانت العائدات مرتفعة بهذا الشكل أو بأضعافه، فإن النتيجة لن تتغير لأن الفساد وسوء الإدارة والتخطيط ما زالت تتحكم بالمشهد ولن نرى توظيفا لهذه الأموال في مكانها الصحيح”.
الصناديق السيادية ضرورة
وبعد الإعلان عن التوقعات بهذه العائدات المالية الهائلة التي أعقبت فترة ركود وأزمات عميقة في سوق النفط، بدت الدعوات إلى إنشاء صناديق سيادية تتكاثر بشكل كبير من قبل المختصين والمراقبين، بل حتى المواطنين.
ان صندوق الثروة السيادي هو صندوق استثمار مملوك للدولة يتألف من الأموال التي تولدها الحكومة، التي غالبا ما يتم توفيرها من فائض احتياطيات الدولة، حيث تضمن الصناديق السيادية منفعة لاقتصاد الدولة ومواطنيها والأجيال اللاحقة.
وأكد الباحث الاقتصادي، أحمد خضير، ضرورة إنشاء هذه الصناديق لحماية حقوق الأجيال الجديدة، وكذلك استثمار العائدات المالية بما يصب في مصلحة البلد والمواطنين، فمن غير المعقول أن يتم صرفها مجددا كرواتب. لا بد من القول أن ثروات البلد حق للجميع وفقا للدستور، وليست حكرا على الموظفين والمستفيدين من الرواتب.
ويجد خضير لـ”طريق الشعب”، أن العراق “تأخر في هذه التجربة التي تضمن المنفعة، بسبب عدم وجود فكر اقتصادي وتخطيط للمستقبل حيث أن البلد غائب في التصنيفات الدولية في ما يخص مشاريع الصناديق السيادية. يجب أن يكون هناك إلزام للحكومات المتعاقبة في توفير مبالغ أو نسب محددة من الإيرادات يمكن أن توجه إلى صندوق الأجيال وكذلك يجب أن يكون هناك جهاز اقتصادي متخصص في إدارة هذه المشاريع وضمان عدم التلاعب فيها بالإضافة إلى كيفية استثمارها وتعظيم مواردها.
وأطلقت دعوات عديدة في الآونة الأخيرة نصت على إنشاء صندوق سيادي تنموي بعد انتهاء العراق من تسديد أقساط التعويضات للكويت عبر استقطاع ٥ في المائة من الإيرادات النفطية السنوية والتي بلغ مجموعها أكثر من ٥٢ مليار دولار. وبما أن العراق كان يدفع هذه النسبة سابقا للديون الكويتية، فشددت الدعوات على أن نسبة تمويل هذا الصندوق يجب أن لا تقل عن 5 في المائة أيضا.