اخر الاخبار

نظم مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية، مؤخرا، ندوة الكترونية بعنوان “بيع أصول الدولة وشركات القطاع العام في موازنة 2021.. بين الطلب الحكومي والرفض البرلماني”. وناقشت الندوة التي ضيّفت النائب حازم الخالدي، رئيس لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي، وبتول صراوة، أستاذة القانون في الجامعة المستنصرية، فيما أدار الندوة، إبراهيم المشهداني، عضو اللجنة الاقتصادية في مركز بغداد.

أصول الدولة والحفاظ عليها

وتحدث الخبير الاقتصاد إبراهيم المشهداني، أثناء افتتاحه أعمال الندوة التي حضرتها “طريق الشعب”، عن ضرورة الحفاظ على أصول الدولة، كالشركات الحكومية العامة، والعقارات وغيرها من الأملاك، لأنها تشكل موردا ماليا يعالج الأزمة الاقتصادية التي يئن العراق تحت وطأتها. وأشار المشهداني إلى “سوء التصرف في تطبيق قانون الإدارة المالية والدين العام وأحكام التصرف في عقارات الدولة وأصولها من قبل الحكومة. حيث يفترض بالأخيرة أن تتعامل مع الأصول بوصفها جزءا أساسيا من التنمية الشاملة، والتي لا بد من جعلها مصدرا ماليا فاعلا في معالجة الأزمة الاقتصادية”، لافتا إلى إن هذا السوء “يتجلى بضياع الأصول بأشكال وطرق عدة. كما إن 60 في المائة منها وتقدر بحوالي 300 ألف عقار، يجري استغلالها بدون عقود وبأساليب تخالف الطرق الأصولية التي نصت عليها القوانين النافذة، وذلك من خلال نفوذ قوى وأحزاب سياسية وجماعات مسلحة ومواطنين مرتبطين بمافيات للفساد. وأما النسبة المتبقية، فهي مستغلة بعقود أصولية تقيمها بأسعار أقل كثيرا من أجور وأسعار السوق، حيث يقدر سعر بيع المتر المربع منها خلال أعوام 2006 - 2014 بحوالي 6 دولارات فقط، علما إن سعرها آنذاك يقدر بـ 2000 دولار”.

وتابع المشهداني ان “العقارات المستولى عليها تتركز في كل من، بغداد، النجف، كربلاء، البصرة، كركوك، وتم الاستحواذ عليها عبر التزوير والتلاعب بالمستندات والوثائق الحكومية الرسمية. وغالبا ما تصنف هذه العقارات بكونها أراضي غير مشغولة، او أبنية حكومية، أو قصورا للنظام السابق وبيوتا كان يشغلها حزب البعث كمقرات ودوائر للأمن والمخابرات ونقابات وجمعيات ودور لأزلام النظام السابق، فضلا عن دور سكنية تعود إلى مواطنين هاجروا من البلد بسبب الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار”.

بيع الأصول.. لصالح من؟

من جانبه، بدأ النائب حازم الخالدي، رئيس لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي والتخطيط الاستراتيجي، حديثه للندوة متسائلا عن الجدوى من بيع أصول الدولة والداعي لهذه الخطوة؟

وأوضح الخالدي أن الأصول تنقسم إلى قسمين “الأول يدعى بـ(المتداولة)، وهي بحسب تعريف لجنة المصطلحات لمجمع المحاسبة الأمريكي، الأصول القابلة للتحول إلى الشكل النقدي. أي إنها الموارد التي تتحول إلى النقد، كالموجودات والمخزونات والتكاليف المدفوعة مسبقا والأوراق المالية وأوراق القبض. وهي أصول ملموسة. وأما الأصول الثابتة أو غير الملموسة، فهي ما تحوزه المنشأة من أراض ومعدات ومبان وتجهيزات لاستخدامها في الإنتاج وتسهيل أمور العمليات التجارية. وفي العراق، سيطرت جهات كثيرة على هذه الأصول بطرق رسمية وغير رسمية، وهناك ملف بهذا الخصوص يقدم أرقاما صادمة”.

وبيّن الخالدي أن “الشركات التي يمكن بيعها وفق المادة 47 في الموازنة تقدر بحوالي 150 شركة ناجحة، منها أكثر من 18 شركة رابحة في وزارة النفط، وأكثر من 12 شركة رابحة في وزارة المالية، وأكثر من 10 شركات رابحة في وزارة النقل، و8 شركات رابحة في وزارة الإعمار، و8 في وزارة الزراعة، والكثير غيرها التي يجب أن تحظى بالدعم لا البيع، لتكون مصدرا ماليا يعظّم الإيرادات، وهذا التصرف يناقض ما قالته الورقة البيضاء، بأن الحكومة تريد تعظيم الإيرادات وهي في الحقيقة تعمل على تضييعها”.

وأكد النائب أن “اللجان التي شكلت سابقا لتقييم الأصول وتقديرها، كانت محل شكوك وفساد، والآن يراد تحويلها إلى القطاع الخاص في ظل تفشي الفساد واستحواذ المتنفذين على القطاع الخاصة، وهذه لعبة واضحة جدا. ولهذه الأسباب، قرر البرلمان إيقاف المادة المعنية بذلك”، مضيفا “في وزارة الصناعة هناك شركة رابحة واحدة من أصل 33 شركة، والسبب يعود إلى وجود جهات تريد إفشال المصانع والمعامل وبيعها. كما تجدر الإشارة إلى أن الحكومة مكلفة بمهام محددة وعمرها قصير، لذا يجب أن تبتعد عن هكذا خطوات مثيرة للجدل”.

خطوات مريبة

وفي السياق، تحدثت بتول صراوة، أستاذة القانون في الجامعة المستنصرية، عن خطورة بيع أصول الدولة في ظل هذا الوضع والأزمات المحيطة بالبلد.

وأشارت صراوة، إلى إن “التجار والمتنفذين تهمهم مصالحهم قبل أي شيء آخر، لذلك بيع أصول الدولة في ظل ضعف الدولة سيحولها إلى ملكيات خاصة لصالح الفاسدين وسيرهن مصير الأجيال القادمة بسبب تصرفات هؤلاء المصرين على اتخاذ هكذا قرارات غير مدروسة”، مؤكدة أن “هذه هي مطالب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وهما أدوات مالية تسعى للقضاء على بلدان مثل العراق، وهي تهتم بالاستحواذ وفرض القيود، ومن الخطير التصرف مع أصول الدولة وفق هذا النهج والشروط”.

وبيّنت أن “المادتين 41 و 42 في الموازنة أجازت بيع الأراضي الزراعية رغم الدعوات الكثيرة لتشجيع الفلاحين واستثمار هذه المساحات الغنية. فكيف تباع بينما المواطنون اليوم يقاسون كوارث اقتصادية بسبب أسعار المحاصيل الزراعية في الأسواق، لذلك فإن موقف البرلمان إزاء هذا التوجه صائب جدا ويحسب له. وأما بخصوص إنشاء الصناديق السيادية، فأنا أرى أنها خطوات فاشلة، لأن الصندوق من دون شك سيدار من جهة متنفذة. وبموجب هذه الخطوة منح العراق استثمارات في مؤتمر الكويت للمانحين، مقابل تقديمه ضمانات سيادية كالنفط والغاز، وهذا يبين عدم وجود أي رؤية حكومية واضحة لاستقطاب الاستثمارات أو الحصول على القروض، ورهن الضمانات السيادية للحصول عليها والتي قد تتعرض للخطر في أية أزمة تمر بالبلاد يمكن أن تفلسه تماما. علما أن مؤتمر الكويت اشترط بحال عدم تنفيذ العراق التزاماته، التصرف للدول الأخرى بضماناته السيادية التي رهنها لغرض الاقتراض”.

وتابعت ان “مشكلة العراق رغم الأهمية للحصول على الاقتراض لتمويل المشاريع أو التنمية، مرهونة بالفشل في إدارة الدين العام، فحتى الشركات الرابحة يراد بيعها رغم الجدوى التي تحققها؛ فمثلا شركة الخطوط الجوية العراقية تجني المليارات سنويا، وهي ضمن القطاع العام”، داعية إلى “تنظيم العلاقة بين وزارة المالية والبنك المركزي العراقي، فضلا عن ضرورة انشاء صندوق سيادي ينظم هذه الأصول، الثابتة والمتداولة، ويمكن الاستفادة بهذا الشأن من التجارب الدولية الناجحة التي حققت فوائد كبيرة”.

القطاع العام قابل للنهوض

وعلى صعيد ذي صلة، أكد د.علي مهدي، نائب رئيس مركز بغداد، ضرورة الحفاظ على ممتلكات الدولة، لأنها موارد تخص الشعب العراقي.

وقال مهدي، إن “موقف البرلمان يستحق الإشادة، إذ أنه راعى متطلبات الشارع العراقي برغم السعي الحكومي لخصخصة أصول الدولة. وفي الوقت الذي ندعو للحفاظ على هذه الأصول، يجب التأكيد على ضرورة ان تكون رابحة وليست عبئا على الدولة. كما إن الإشكالية في الموازنة إنها دسّت قضايا جوهرية كبيع الأصول، لكنها لم توضح أين ستذهب موارد هذه العملية”، لافتا إلى أن “صاحب الورقة البيضاء يدعو لخصخصة القطاعات الرابحة، ويعتبر الدولة مجرد حارس للحدود والأمن، ولا علاقة لها بالدور الاجتماعي، في حين تقدم أميركا المعونات إلى العائلات المتضررة بفعل جائحة كورونا. والسبب يعود للإدراك التام بأن الدولة مهمتها الحفاظ على التجانس الاجتماعي قبل الحراسة وغيرها من المهام”.