الصامتون: الرجل وهو راعي البقر والقائد والحاكم العام. حيوانات مختلفة. المواليد الشاذة. الشخص المساعد. المولود الأول والثاني والثالث. إلخ...

المُصْمَتُ الأول:

المنظر: مساحة كبيرة من الأرض يتوسطها قفص من الخشب كبير نسبياً (زريبة) على هيئة مربع كبير في داخله عدد من الحيوانات الكلبية كالذئب والضبع والثعلب فضلاً عن الحمار والجاموس. إلخ. يقف خارجها رجل يعتمر قبعة غربية ويرتدي سروال رعاة البقر وحزام سرواله عريض نوعاً ما يحمل مسدساً ذا فوهة طويلة نسبيا. كل الحيوانات في حالة مخاض.

يتمشى الرجل بين الحيوانات، وهي مصطفة في نسق أفقي عسكري وكأنه يستعرضها. يتوقف عند هذا الحيوان أو ذاك. يطيل النظر الى بعضها. يربت على ظهور بعضها. يتحرك الى خارج الزريبة، يتقدم من حافة المسرح. يستدير نحو الخلف. يسحب مسدسه ويصوب فوهته باتجاه الحيوانات أولا ثم يستدير لمواجهة جمهور النظارة مصوباً فوهة مسدسه نحوهم ثانياً. يرفع الفوهة الى الأعلى باتجاه البروجكتور الرئيس الذي يتوسط منظومة الأضواء المسرحية. يطلق النار فنسمع صوت تكسر البروجكتور مع انتشار الظلام في عموم المسرح. تنطلق أيضا بعض الأصوات التي تنمّ عن مخاض عسير لحيوانات الزريبة. يطلق الرجل عدة عيارات نارية فتفتح الأضواء. نرى خلف كلّ حيوان مولوداً جديداً بلحية بيضاء أو سوداء أو حمراء، طويلة أو قصيرة. تصرخ المواليد كلّها مثل أي طفل وليد. يطلق الرجل إطلاقة واحدة فيتوقفون عن الصراخ. يسوقهم بسوطه الى خارج الزريبة، وهم يسيرون على الأربع. يقدم لهم العلف والماء فيأكلون ويشربون وبإشارة منه بالسوط يقفون على أرجلهم فيأخذ قوامهم شكلاً بشرياً.

يدخل الى الحظيرة، ويبدأ بإطلاق النار على كل الحيوانات التي أنجبت شواذا. تتحرك بعض الحيوانات بفزع محدثة جلبة قوية. يجري ثور باتجاهه يحاول نطحه بقرونه القوية المدببة. يصوب الرجل بسرعة نحو الثور فيرديه قتيلاً. تسقط كل الحيوانات صرعى على أرضية الزريبة. يشير بسوطه للمواليد الجدد فتؤدي الحركات المتقنة التي يريدها وكأنها دمى متحركة أو حيوانات مروضة. يقدم لهم مزيداً من الطعام فتكبر شيئاً فشيئاً حتى تبلغ عمر النضوج. يشير لشخص خارج المسرح أن يدخل الى الزريبة. يدخل الشخص وبيده صافرة معدنية. يقف الى جانب الرجل، ومع انطلاق أول صافرة يبدأ الكل تدريبهم على حركات راقصة وأخرى قتالية (الصافرة تحدد الطلب: واحدة تعني حركات راقصة، واثنتان تعني العراك فيما بينهم، وثالثة تعني الانقضاض على العدو) يستمر الشخص باستخدام الصافرة الى أن يشير له الرجل بالتوقف. وبالسوط يشير الرجل عليهم بالذهاب الى خارج الزريبة فيخرجون واحداً تلو الآخر في صف منتظم على هدي مارش عسكري. يختفون وراء الكواليس ويظلّ الرجل مراقباً تحركهم بإمعان. يخرج هو الآخر فتطفأ الأضواء، ويظل المسرح معتماً بضع لحظات قبل أن يدخل ثانية، فيرى الزريبة وقد صفت فيها عدد من الكراسي تتقدمها منضدة نصف دائرية. يأخذ محله خلف المنضدة يرفع مطرقة من على المنضدة ويطرق بها ثلاث طرقات. يدخل أعضاء مجلسه وهم يرتدون مثل ملابسه ويأخذ كل منهم مقعده الخاص. يتبعهم الملتحون لكنهم يقفون على جانبي الزريبة. يصفق الرجل صفقة واحدة فيتبعه الآخرون بصفقة واحدة. يصفق صفقتين فيتبعه الكل بصفقتين. يصفق ثلاثا فيتبعه الآخرون بثلاث، وهكذا يتكرر التصفيق على الإيقاع المنغم نفسه. يشير الرجل إشارة الانتهاء فيتوقف الكل عن التصفيق. ينهض من على كرسيه فينهض الجميع. يشير لهم بالخروج فيخرجون الواحد تلو الآخر، بعد أداء التحية والانحناء له احتراما وتبجيلاً، من بوابة الزريبة الى خارج المكان.

(تطفأ الأضواء ويعم الظلام المسرح)

المُصْمَتُ الثاني:

(تفتح الأضواء فنرى الرجل وهو يتوسط الزريبة وأمامه ثلاث مكعبات مرقمة من 1 الى 3 والى جانبها مثلها، ولكن بارتفاع أقل والى جانب الأخرى ثمة ثلاثة أخرى أقل ارتفاعا) 

يشير للمواليد الجديدة بالدخول الى الزريبة. يمتثلون لأمره، ويدخلون بطاعة تامة. يصطفون كيفما اتفق. يشير لأحدهم وهو يرتدي ملابس سود بالصعود على المكعب الأول. يصعد الرجل بسرعة وخفة وفرح. يشير للثاني وهو بملابس سود أيضا فيرتقي المكعب الثاني. ويشير للثالث أيضا ليتسنم المكعب الثالث وهو بالملابس السود أيضا. يشير للرابع فيصعد على المكعب الأول الأقل ارتفاعا وهو يرتدي ملابس خضر، وبالطريقة نفسها يرتقي الخامس والسادس المكعبان المخصصان لكل واحد منهما. ترتقي المجموعة الثالثة مكعباتها الأقل ارتفاعا. يصطف الآخرون الى جانب صف المكعبات بلا ترتيب محدد وهم بملابس مختلفة الألوان. يستعرضهم الرجل بزهو. يشير لشخص خارج الزريبة. يدخل الشخص وهو يحمل صينية عليها عدد من المسدسات. يقوم الرجل بتسليمها الى كل فرد من الأفراد الذين وقع الاختيار عليهم من المكعب الأول فالأخير. تظهر على السايكلوراما صورة خارطة لبلد غير محدد بدقة، يسحب الرجل مسدسه ويوجهه نحو الخريطة. يطلق عليها عياراً نارياً، يأمر الأول الذي يقف على المكعب الأول أن يطلق النار على الخريطة فيفعل (يعمل الرجل كما يعمل قائد الأوركسترا) يأمر الثاني فيفعل وهكذا يطلقون النار واحداً بعد واحد. يرفض أحدهم تنفيذ الأمر وسط دهشة الجميع. يشير الرجل عليه بالتحرك إليه وتسليمه سلاحه الشخصي فيفعل يأمره بالوقوف على المكعب الأول. يخلي الأول المكان له ليقف بدلا عنه على ذلك المكعب. يطلق الرجل النار عليه فيرديه قتيلاً على الفور. يتحرك الرجل أمام الجميع بحثاً عن متمرد آخر إن وجد. يأمرهم الرجل جميعا بالاستدارة نحو الخريطة فيفعلون طائعين. يرفع مسده مصوبا إياه على الخريط فيفعلون وبتوقيت واحد يطلقون النار على الخريطة مع شعورهم بالانتصار. نسمع صوت هدير طائرات عسكرية تهبط على خلفية المسرح. يأمر الرجل الجميع التوجه إليها. يندفعون بالهرولة نحو الطائرات ويدفنوا أنفسهم داخلها يتبعهم الرجل فتبدأ الطائرات بالإقلاع متوجهة الى قلب تلك الخريطة وعند تلك النقطة تبدأ بالاختفاء أو الهبوط تدريجياً على تضاريسها. ينزل الرجل من الطائرة الأولى. يشير للجميع بالنزول والتجمع قريباً منه. ينزلون بترتيب عسكري منظم. يتجمعون قريباً منه فتطفأ الأضواء.

المُصْمَتُ الثالث:

تفتح الأضواء فنرى الرجل نفسه جالسا على الكرسي والمنضدة نفسهما وعلى يساره يجلس الشخص الذي كان مساعداً له في تدريب المواليد الشاذة الجديدة وعلى يمينه المولود الأول. وخلفهما يتدلى ميزان العدل وفي كل كفة من الميزان بند من الورق.. يسحب الشخص المساعد ورقة من الكفة القريبة منه ويضعها أمام الحاكم. يكتب الحاكم عليها بضع سطور. يختمها ثم يرميها في الهواء تزامناً مع ظهور صورة كتب عليها القوات العسكرية ومع ضربة صنج يظهر عليها حرف X كبير. يستل المولود الأول ورقة من الكفة القريبة منه. يضعها أمام الحاكم. يكتب عليها بضعة أسطر ثم يختمها ويرميها في الهواء. تظهر على الشاشة صورة كتب عليها قوات الشرطة متزامنة مع ضربة صنج وعلامة X   كبير يسحب المساعد ورقة أخرى ويضعها أمام الحاكم. يكتب عليها ويختمها ويرميها في الهواء، فتظهر على الشاشة صورة كتب عليها قوات الأمن الداخلي ومع ضربة صنج تظهر علامة X عليها. يستمر الحال هكذا، ولكن بسرعة كبيرة حتى يفرغ الحاكم من كل الأوراق وكتابة القرارات المختلفة. تغطي الأوراق أرضية المكان. نسمع موسيقى مارش. يقف الحاكم فيقف الاثنان أيضا. يتحرك مستديراً حول المساعد ليواجه المولود الجديد. يضع وساما حول رقبته، وميدالية على صدره ويشير له بالجلوس على كرسي الحكم. يجلس على الكرسي بارتياح وفرح خفي. يخرج الحاكم بمعية المساعد. يقف الحاكم الجديد بزهو يتحرك مستعرضاً المكان وناظرا الى كرسي الحكم بأعجاب كبير. يقوم بجمع الأوراق من على أرضية المكان. يرتبها بحسب أهميتها، ويضعها أمامه على المنضدة بفخر.

 يشير لأحدهم بالدخول. يدخل واحد من المواليد السابقة. يشير عليه بالجلوس على كرسي المساعد. يشير لدخول آخر فيجلسه على الكرسي الذي كان يشغله قبل قليل. يتشاورون فيما بينهم، يقف الحاكم الجديد فيقف الآخران. يبارك لهما منصبهما. يتصافحون ويقبلون بعضهم بعضاً. يفاجئهم صوت انفجار قوي. فيرمون بأنفسهم على الأرض. ينهضون بحذر مستغربين سماع صوت جماهير هادر غير واضح المطالب قادما من جهة جمهور النظارة. يسحب الحاكم الجديد مسدسه.

ويأمرهم بسحب مسدساتهم أيضا. يتقدمهم نحو الصوت الهادر وهو يطلق عيارات نارية كثيفة. تطفأ الأضواء واحدا تلو الآخر ويظل الفلو (البروجكتور المتحرك) متابعا إياهم حتى لحظة الخروج من قاعة العرض.

ينسحب الضوء عنهم ويتجه صوب منتصف الستارة الخلفية فنرى وجه الحاكم الأول وهو يراقب كل حركة صغيرة أو كبيرة برضا، وابتسامة على محياه تدل على ذلك الرضا.

(تطفأ الأضواء وتنتهي المسرحية من ولاداتها الأولى).

ــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وناقد مسرحي عراقي يقيم حالياً في استراليا.