اخر الاخبار

حين سال الماء. سال وفاض، غطا الجسد ومال، ارتبك الماء فى مكان الفخذين، غاص،

ارتبك ومال، وفاض / وغاص، وانحنى عند الجذع، غطى الرقبة والصدر ثم سقط سهوا على الأريكة،

 الماء الدافئ / الفاتر /الماء كان باردا و كان الشيخ مُلقى على الأريكة. لما استراح من عناء السنين ومن عناء السفر،  يعانق زبد البحر كل مساء، لا أدرى ماذا حدث له ؟

 قبل هذا اليوم. رأيته يمشي وحيدا ، يعتزل الناس ، يجلس قرب النهر ، غير أن الماء سال، كانت المسافات بيننا تحن إلى ضحك مستحيل، إلى صخب الوجود تذهب العبارات، إلي الأرض التي يُحب الشيخ تعاريجها, إلي جوف البئر حين يدلى الدلو فيجئ الماء رطبا.هنيا يرشفه ويهتز ، ينظر في وجه السماء. في الصبح المنور الرائق، يحدثني عن الأصدقاء القدامى ويقول أنه عندما يموت يتمني أن يدفنوه في البحر ، ثم يتركني ليكلم البحر، يوشوش الجنية ويقول أنه جواب هذا العالم, وأنه يحب الرحيل، ليبحث عن المرسى. يفتش عن وتر تلمسه أصابعه الخبيرة, المرعوشة من فرط السنين التي رأته، يسير على الشاطئ وحيدا مطأطئ الرأس في أقصى الليالي،  غارقا في النفور المستحيل من الأيام.

هكذا كان معي!  وهكذا رأيته

لما بكى الماء وسال، فاض وغمر الجسد الفاره ثم استقل عن التغلغل في دم الشيخ. فصرخ الشيخ، الذي كان دائم التفكير في الرحيل، في السنين التي رأته في المراسى  وفيضان البحر.

يحكى لي عن البلاد كلاما مُشوقا, فأحن إلى البلاد, أحن إلى الرحيل, أسأله عن سر الليل, وسر البحر, ووحدته فيجيب ذاك العارف... 

ما الدنيا؟

, يضحك, ضحكا مستحيلا, فأضحك,

بكيت حين كان الماء يسيل خجولا, يحن إلى جسده الفاره, و أحن إلى جذع صفصافة الشيخ،  أمام الدار نجلس, نراقب البراعم التي يرويها تحن إلى يديه حتي الجذور التي ألفت الأرض صلابتها. تصرخ الآن من فرط توجعها,

حين عرفته ظللت أحتمي به سنين من وجع البعاد, ومن الحنين, من الدوامات في البحر, من فيضان الوقت، أسأله هو العارف ما الدنيا؟   فلا يجيب.

يقسم رغيف الخبز نصفين, ينظر في المدى، في البراح الممتد أمامنا وفي وجه السماء المنير تستدير مقلتيه حتى آخرهما, يشير الى البحر، يحكى ساعات عن حكايات قديمة, فأغوص حتى منتهاي في عذوبة القصص الحميمة، في خشونة الصوت أنصت بلهفة الخائف للامان.

كان الموج يحن إلى التموج في النسيم، في ألق الوجود، لحظة استولى الآسي على الأمواج.

 لحظة نهش زبد البحر كلام الشيخ،

لحظة كان خشب السفن المتآكل، الشباك القديمة، ملابسه /مركبته ذات القلاع/ العشة البوص/ المرسى... انشغل كل شئ بالحصار مع الحزن

 في هذا اليوم ذاته؛ صار الشيخ كالذي يتجمد فوق الأرض جليدا,

سال الماء, وفاض , غرق هو في صمت و خشوع ، سكن مرتخيا ,

قمت من جواره مُترقبا صوت الليل,

تسللت إلى العشة ونمت, مطمئنا للمساء الذي يحب الشيخ له سنين وهو يعتلى قمة الموج, يبحث عن الرزق, يداعب مركبته . كانت النوارس حين تحط تفهمه, فتمضى لحالها, تضاحكه, وتعانده. فيشهدني عليها , فأشهد، ويضحك، ضحكا خارجا من عيونه الحنونة الطيبة حين يمسح عنها رطوبة الصيف, تستقر فيّ تعاليمه, وحكمته وكنت لازلت أرقص في حزن,

 عندما كانت الصخور تئز،,  كان التعب يدب

 إلى الماء يفيض,  يتدفق ,  يتكسر ، يتلألأ،  يترقرق , ينحدر,

 هل يفارق الجسد الفاره ؟

 يريد الماء ألا يبارح الشيخ الفاهم ما الدنيا،  ذاك الذي نام عندما سال الماء  سال.

كان مسجى فى ملكوت الله دون عناء , ارتبك الماء المتعب,

و كان لارتباكه صوت الشجن ،  وللبحر صوت ارتطام الموج بالصخر

وللدموع صوت النزف.

عرض مقالات: