اخر الاخبار

إنهُ يوم قائظ أخر يمر علينا في سفح  هذا التل ، حيثُ ترفضُ الشمس أن تغادرنا بلهيبها الذي يمتدُ حتى يلتهمَ الظل الذي يسكن زوايا البيوت  المتاخمةَ للصخور البيضاء التي تلمع  تحت زرقة السماء.

تملكني الخوف منذُ أن ظهرَ ذلك الرجلُ في باحة دارنا الذي يدعي انه ابن عمي مع والده وقد جاء طالبا يدي ذات عصيرة، أسميت ذلك اليوم (الاربعاء   المشوه ) لان أفكاري أصبحت تتداعى مثل رماد طائر فوق وجه الماء.

في  الليل جعلت كتبي وسادة لي  لعلني أحظى ببقايا أحلامي في ان أُكمل دراستي الجامعية التي طالما ذهبتُ في غمرة من الاحلام،  حين نمر بالقرب منها أثناء  زياراتنا للمدينة  حيث أبقى أحملق في الرقعة الكبيرة التي وضعت فوق البناية العالية. كم يتملكني شغف و كم طارت أفكاري وتطلعاتي الى البوابة التي يدخل منها الطلاب حتى الحرس الذين يقفون بالقرب من البوابة أراهم يبتسمون الكل سعداء هناك من يدخل تلك البوابة أو يخرجُ منها  ، وحين نعبر بسيارة والدي من أمام الجامعة  تبقى عيناي معلقتان ترصدان كل الجمال الذي تخفيها تلك البوابة خلف أسوارها حدائق ومصطبات خصصت لجلوس الطلاب، المكتبة الشاهقة،  ويعود طائر أحلامي ادراجه الى مدينتي الصغيرة ودكان العم حسن القريب من مدرستنا حيث يجتمع الاطفال  مثل الذباب  حوله ، ثم ندخل زقاقنا الصغير يُخرج أبي مفتاحه الحديدي ويفتح الباب الخشبي القديم لقد ورث أبي دار أبيه وأجداده ،فهو بيت قديم مدخله  مزين بأعمدة من الحلان القديم التي نقشتْ الطحالب عليها رسوما باللون الاخضر الداكن  ،وتغزو الرطوبة قواعدها التي إرتمت فوق ارضية صلبة من الاحجار القاسية  تطل  الشرفات  الحجرية العالية للناظر ما أن يدخل الى باحة الدار.

تجلس أختي  الصغيرة  التي تعاني  من آلام في عينيها فهي لا تقدر على تمييز الاشياء بصورة جيدة، تقدمني أبي الى باحة الدار كنت أمشي خلفه بهدوء رفع  الطفلة من الأرجوحة ولكنها تميز صوته وكذلك صوتي ، نادتني امي.. أنها تشعر بنا حتى إني ظننت انها تشعر بعطري، وحتى أفكاري التي ترجف مثل أوراق الخريف.مضى أسبوع وعلى والدي ان يجيب طلب عمي وأبنه الضال  الذي اهتدى الى بوابة بيتنا بعد قطيعة طويلة بين الاسرتين

كيف ساغادر  بيتنا ؟ والى اين ستكون وجهتي،  الى رجل لا أعرفه انه مجرد قريب!

تسلل جواب غريب الى رأسي  كأنه أفعى  تسعى وقد سقطت من شجرة المعرفة المحرمة.. لماذا لا نرفض طلبه ؟ ظننت ان والدي سمع فحيح  تلك الافعى المجلجلة في رأسي او سمع حفيف تلك الاوراق التي كانت تتدلى  في أعلى شجرة في قمة رأسي

ولكن استجابتي الجسدية كانت أسرع حين امسكت يد أبي  كانت أصابعه قوية وكفه كبير الحجم حين صفعني لأول مرة وأنا في السابعة من عمري حينها كنت ألعب مع صبي صغير  في الزقاق. يومها سرقت طفلة من جيبي خرزاتي  الملونة  ومن وقتها لم أخرج من البيت فقط الى المدرسة القريبة من بيتنا يومها عرفت ما هو الممنوع حتى اني تركت دراجتي لأبن عمتي البكر.

تعرق كف يدي وأنا أضع اصابعي وسط كفه وأسحبه الى فمي  وأطبع قبلة العرفان. كانت حركة غير مدروسة او أني لم أحسن إختيار الوقت المناسب وضعت يده على جبيني في تلك اللحظة امتلكني رعب   أنه كابوس مخيف أردت ان أفلت من أفكاري كيف سأبلغه بإني سأرفض طلب إبنُ أخيه هل سيصفعني من جديد؟ أم يهددني بالموت ؟ او ماذا يا ترى..

أشعر بالخذلان مثل طوق يقيد أجزاء جسدي وأنا مرتبكة أمام عينيه  الحزينتين  أعتدت ان أرى تلك النظرة الحزينة في عينيه منذ زمن بعيد ،حين رحلت أمي منذ ان أنجبت مريم.

تلاشت  شجاعتي  القليلة أمام كبرياء جبينه وهو يتكئ على  الجدار  لقد شعرت لوهلة ووجهي يغوص في كفيه بأني فقدت إرتباطي بالأرض وأصبحت فقاعة كادت أن تتلاشى في أثير الهواء الساخن تصبب العرق من كل مسامات جلدي .

لقد اربكتني تلك النظرة وهو يرفع يده ويضعها  فوق رأسي ويمسح على  شعري  إقتربت أختي الضريرة مثل هر بائس  نحوي ثم أفلت يد والدي وتركتها عادت الى حجره ،وقفت أمامه كانت الأرض تحت قدماي تهتز ، وصوتي يرتجف ، ويداي ضائعتان أجلس أبي أختى مريم في حجره ،قلت له بعد عناء أنا أرفض…..ثم توقفت وتلعثمت  كان صوتي خائفا مذعورا ووجه أبي ثابت قال :ماذا تعنين ؟ساد صمت بيننا قاطعته صوت  مريم وهي تطلب منه ان يرفعها في الهواء عاليًا.حملها بيد واحدة رفعها إلى الأعلى كانت تضحك ،قهقهت بصوت عال ،إبتسم أبي  أظن أنه يراوغ قلقي ولابد أنه مستعد لكل المفاجأت..  أردت  ان أبكي..

في لحظة عجولة انفرجت  البوابة   عن خيال أمي رأيت شالها الأزرق يلوح ويطير تعكسه الشمس فوق الشرفة الرخامية المهجورة لقد كان مثل أجنحة السنونو يطير عاليا سمعت صوتها تنادي مريم لقد منحني صوتها هدوءا وسلاما وكأنه نسيم يلتف حولي..

عرض مقالات: