اخر الاخبار

ديوان الشاعر كريم الزيدي، حالة شعورية تخلق بداخله عوالم مختلفة، القصائد عنده تحكي عن تجربته في خوض غربته في بلاد المهجر بعيداً عن مجتمعه، يخوض تجربة نفسية عاشها ويعيشها محتجاً على ذاته، يقول ادونيس (الشعر رؤيا واحتجاج على السائد وتساؤل حول الممكن) لأن الشعر حالة رومانسية يعبر بها الشاعر عن شعوره أثناء مسيرته في الحياة سواء في بلده او في بلاد الغرب.

الديوان (تشظى عارياً) يحتوي على 130 قصيدة يتنقل بها النص الشعري من حالة الى حالة اخرى في سياق شعري جميل، الشاعر يرسم بالكلمات ،إذ ان اللغة بحر واسع لا حدود له، صدق الشاعر نزار قباني بمقولته (الشعر هو الرسم بالكلمات). 

يوحي العنوان (تشظى عارياً) التشظي الى اجزاء عديدة، هي معاناته التي يشعر بها وهو في بلاد الغربة ، تفترسه الاحلام والذكريات التي تمزق ذاكرته، غادر العراق طلباً للحرية، كما هو معروف (الاغتراب) هو الانفصال، ويقصد به فقدان البيئة الاجتماعية، فيكون اغتراباً عن الذات، تناول الشاعر مواضيع متعددة من واقع العراق وكندا، تحفل بعذوبة ودفق الحياة والحب والجمال تاركاً في دواخل المتلقي فيضاً من المشاعر الانسانية، بسبب معاناة الشاعر وشعوره بالاغتراب، وهذا ما نجده في معظم قصائده.

 هنا مقطع من قصيدة: (رائحة الوطن):  

(أيام وأنا أغادر العراق/ راجعاً لوطني كندا/ ماذا آخذ معي ؟/ أخشى أن أسأل بقالاً

أعطي كيلو غراماً من رائحة وطن/ ونصف كيلو حفنة دموع/ وغرام طفلة مشاكسة

ورائحة أزهار تهرب/  من رائحة الموت/ أخشى ان أسأل/ لأجد نفسي محجوزاً

في مطار بغداد/ بتهمة.../ مختل عقلياً.) ص28

في الديوان قصائد وجدانية، التي ركزت بمواضيعها على العشق ، الهيام ،البعد ،الهجر وغيرها منها قصائد: الحب جنون ،عشق الدموع ،حب مجنون وعتمة ، وهذا مقطع من قصيدة جاءت بعنوان (دمي على شفتيها).

(أنت/ يامن خدشتِ/ أصابع الموسيقى/ وسيفك ذبح أطفال الكلمات/ لا بحر/ تعومين فيه/ يغسل آخر قطرات الدم/ العالقة على شفتيك) ص74.

بعض قصائد الديوان جاءت على شكل ومضات، تشبيهات واستعارات مثل الطيور او الحيوانات او الجن مثل قصيدة: “وانتحرت”: (السماء الآن/ راكضة/ للبحر/ وانتحرت).

كما ويتمتع الديوان بقصائد عن الام، هذا الرمز الوجودي الذي تتجاوز دلالاته الرمزية يقول شكسبير: (ليس في العالم وسادة أنعم من حضن أمي): فيما يقول الزيدي عن الأم:

(أماه/ من قال لك/ ان غيوم السماء/ الله يضعها في مقلتي/ كيما تمطر؟) ص135

نصوص المجموعة شفيفة المعاني، بدون حشو، متعددة الافكار، مكثفة، تحمل صوراً عديدة متنوعة

نذكر قصيدة (نحو القبل):

(امرحي/ اعبثي/ بكل قبلة بعثتها لك/ انحريها/ من الوريد/ الى الوريد/ كم كنت مجرمة /  تضرجين يدك بدم الازهار) ص137

هكذا تنوعت قصائد الديوان بين قصائد قصيرة واخرى طويلة، اغلبها تحمل هماً وطنياً، كون الشاعر يسكن في كندا تزدحم في ذاكرته الكثير من الذكريات، تجد قصائده عن العراق وعلى مدينته الناصرية التي ترعرع فيها، قسم من القصائد تحكي ازمة الانسان مع السلطات الحاكمة، صوراً بليغة مترعة بالغضب والسخرية نذكر قصيدة (سألني جاري الكندي):

(سألني جاري الكندي/ ما سر هذه الندوب/ على قدميك ورجليك/ قلت له: آثار من رحلة صيد في غابة/ همس مستنكراً/ لا يوجد حيوان يفعل هكذا/ قلت له: كيف تسمع غنائي في الليل/  قال: لا افهم ما تقول/  أشعر بنبرة حزن/  قلت هذه الندوب تعويذة أحملها معي/  كيما أنسى العراق) ص 43.

في الديوان باقات نرجسية جميلة من خلجات النفس والروح والذاكرة ونبض من الوجدان ولوعة لفراق العراق القصري بأسلوب شاعري وعولمة خفية... الشاعر كريم الزيدي مرهف الاحساس.... المشاعر والاحاسيس المختلفة تكسب القصائد تنوعاً وغنى في كلمات الحب، يتحدث عن حبه القديم:

(خذني الى وطن أموت فيه/ كما كنت رقبتي في مقصلة الاعدام/ أترك لي أطفال وطني يضحكون/  كيما أسمع /  صخب/ فرحهم /  وأهمس/  ثمة حياة ) ص120.

وأخيراً أغلب القصائد نابضة بالحياة والحيوية، بأسلوب قصصي تحمل عنصر الحوار الخارجي أكسبها ملامح انسانية وصوراً تحمل ابعاداً ودلالات متنوعة، فنية ورمزية، استعرض الشاعر كريم الزيدي جراحات الذات وتشظيها من خلال التنوع هذا التنوع عند الابتعاد عن الوطن وقسوة الغياب ،والاغتراب هو الانفصال عن المجتمع وعن الذات يقول ماركس: (في الاغتراب العملية التي يتحول فيها الانسان الى حالة تشيؤ*1، حيث يستبعد من خلال العمل ويصبح بقوة عمله سلعة تباع في الاسواق).

الديوان من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق عام 2021.

عرض مقالات: