اخر الاخبار

في ظل الزحام تسللت الطفلة بهدوء ثم هرولت تجري مسرعة فيما خصلات شعرها تتطابر مذعنة لهبوب الريح الشديدة،  وعند كل مترين او ثلاثة  تقطعها تقف تشدو بمرح طفولي مثير إحدى أناشيدها المدرسية وتتبعها بقراءة حكاية من كتاب قصص تحمله بيمناها معنون في ذيله إسم لأحدى قصص الأطفال ثم مالبثت أن قفزت مشاهد وهي في ذروة شبابها الجميل، كانت تصر مع زميلاتها وزملاءها الطلبة في نقاش متواصل أزاء مواضيع لم يقتصر عند حدود معينة، كان النقاش يتناول شتى الأحداث، غير إن النص الشعري ظل مهيمنا، واي من النصوص أكثر حضورا، كانت تمسك ببعض الكتب تلجأ إليها عند احتدام وتراشق الأحاديث بينهم، تتصدرها عناوين متفرقة، السياب، صلاح عبد الصبور، ت س اليوت، البياتي، لوركا، وآخر مشهد لها ظل يلاحق ذاكرتي عزلتها في غرفة من بيت قديم وهي لائذة يسحقها حزن من فقدتهم في أخر الحروب، إذ ظلت تندب قدرها بعد أن ضلت طريق إبنها وسط النيران، وكم بحثت عنه من دون جدوى. كنت أرى تلك المشاهد في بريق عينيها وانا مازلت أتأمل فيما كانت الحافلة تسير بنا في إحدى الشوارع  من مدينة مزدحمة بأناسها وهي تجلس إلى جواري إنتبهت إلى صوتها:

- تفضل

كمن يفز من مشهد حزين صوبت نظراتي نحوها وانا أردد

- ماهذا...؟

- آخر ديوان شعري أصدرته

مددت كفي والتقطت الكتاب من يدها وابديت كلمات الشكر والثناء إليها، وحالما أصبح الكتاب في متناول يدي ركزت إهتمامي في بعض النصوص، كنت أجد المتعة وانا ألاحق الحروف، يتصدرها نص يحاكي بهمس حزين فقدان إبنها....!!، بعدها ركزت على هامش توقيعها يتسلق اسمي حقل صغير يحتل بشكل بارز  زاوية من  مستهل أوراق الديوان، وأثناء انتهائي من قراءة ذلك النص الذي  وجدت غزارة في الصور الأنيقة إلتمست منها قراءته بصوت مرتفع، على نحو غير متوقع فوجئت بأعتذارها مصحوبا بسيل دموعها تذرف غزيرة من عينيها إسفة، مما جعلني أشعر بتأنيب الضمير أزاء التماسي منها، فضلت النهوض والاعتذار منها، فسبقتني في كلمات اعتذار تقولها بهمس يكاد لايسمع، فتراجعت وبقيت في مكاني جالسا نزولا عند رغبتها، بعدها سحبت حقيبتها  ثم دست كفها وأخرجت علبة دواء ووضعت حبة دواء تحت لسانها، وفي أخر منطقة من الشارع أوقف السائق الحافلة وطلب من جميع المسافرين النزول بغية الإقامة في الفندق المقرر لنا مسبقا، إبتسمت لها فقابلتني بابتسامة رشيقة على الرغم من حزن اثقل عليها، فيما كنت أتأمل لقاءها في صباح اليوم التالي.

عرض مقالات: