اخر الاخبار

أكد عالم النفس التحليلي (كوستاف يونج G.Jung) «ان العالم معلق بخيط رفيع و ان ذلك الخيط هو النفس او الذات الانسانية و كلما تعرض ذلك الخيط الى خطر التمزق فسيؤدي الى تفكك النسيج الاجتماعي و يصبح كله بالياً و متهرئاً وبالتالي يتسارع اندثاره.. «, و لهذا فإن الاهتمام بالنفس الانسانية وفقا لإجراءات التحليل النفسي و التشخيص و طرق المعالجة النفسية بمثابة نقطة الوقوف عند موطن المشكلات الانسانية التي استفحلت بلا حدود المصاحبة لتنامي السلوك و التفكير و المشاعر الفوضوية السائدة في عالمنا المعاصر.

و عندما نبحث عن مكامن الفوضىى الانسانية فمن المتوقع ان نجدها عند تداعيات (عسكرة النفس الانسانية) الوليدة لـ (عسكرة المجتمع) بكل مخلفاتها الاقتصادية و التعليمية و التربوية و السياسية ذلك ان مفهوم العسكرة بات من اكثر المفاهيم تعقيدا بسبب تعدد معانيه و تنوع اتجاهاته من خلال الاتي:-

- قد تعني العسكرة في ظاهرها: طغيان الطابع العسكري على المجتمع المدني بحيث لا نجد فرقا واضحا بين الواقعين (العسكري و المدني), و يحصل هذا الخلط نتيجة طغيان السلطة الحاكمة للشعب و تصوراتها النارية و تسعى الى توسيع مساحة الحياة العسكرية على حساب الحياة المدنية من خلال عدة مظاهر تبدأ بتعظيم رجال الحرب و نيلهم افضل الامتيازات مقابل تقزيم رجال الوعي المدني و تضييق افق تطلعاتهم و خلق العقبات امام طموحاتهم و حرمانهم من استحقاقاتهم.  

- و قد تعني مجموعة الاعراف و التقاليد و القيم التي ألفها مجتمع ما في حياته العامة حتى اعتاد عليها و ألفها سواء عن طريق التربية او التعليم او الترويض او التحفيز و التشجيع وحينها يتم ادراك وفهم الأمور.. كون الحياة صراع من اجل البقاء وان السيادة للأقوى بدنيا وبهذا يتم تمجيد مظاهر القوة البدنية بكل مظاهرها المادية و المعنوية , و تتجلى هذه المظاهر في المجتمعات من ذوي التفكير الريفي و القروي المجهضة لكل معاني التغير نحو الحياة الحضرية او الحضارية.

- و قد تتجسد معانيها في تقبل الذات الانسانية و الاجتماعية لفرضية العقل الجمعي او سلوك القطيع حينما تستسلم الى قناعات و امزجة الأغلبية, و بهذا ستلجأ وبلا وعي و لا شعور الى نزع قرارتها الذاتية في التفكير وتستبدله بالتفكير البديل اي بمعنى انها تسمح للاخرين بالتفكير بدلها او التعويض عنها و مصادرة قناعاتها, و يتطور الامر الى استغلالها من قبل اصحاب القرار والسلطة من اجل بناء واقع تحشيدي معبأ لخدمتها في وقت ازماتها.. و هذا المعنى للعسكرة يمكن ملاحظته جليا في اقامة المظاهرات الجماهيرية سواء الدينية أو السياسية او العشائرية..

- و قد تعني تلوث المزاج و الذوق و السلوك و التفكير المدني العام بالطابع و التطبع العسكري نتيجة انتقال اثر السلوك العسكري لدى غالبية افراد المجتمع و أخصهم من الشباب بفعل اندماجهم في الخدمة العسكرية و لاسيما في الدول التي شهدت الحروب.

و بالتالي سيكون الانسان في ظل عالم عسكرة الذات و المجتمع ضحية التربية الطاغية في المجتمع المتجرد من حقيقة الوجود الانساني و دوره البنائي و التطوري ليتحول الى اداة للفوضى و عنصر تلوث للطبيعة الشاملة.

عرض مقالات: