اخر الاخبار

هل يمكنني الحديث عن كامل شياع في بضعة سطور، أو بضعة صفحات، أم يحتاج الأمر إلى بضعة كتب ولن أفيه حقه. جمعتني به مشتركات الموقف السياسي والثقافي والمعرفي والتقينا في مناسبات متفرقة كثيرة قبل سقوط النظام السابق. كنت منفياً في باريس لعقود طويلة وكان منفياً في بروكسل على بعد ساعتين بالقطار. كتبنا الكثير على صفحات صحف ومجلات المعارضة العراقية اليسارية وتحادثنا وجمعتنا خيمة «طريق الشعب» في مهرجان اللومانتيه في باريس الذي تنظمة جريدة «اللومانتيه» الصادرة عن الحزب الشيوعي الفرنسي. وهكذا نشأت صداقة متينة من نوع ما بيننا لا أستطيع وصفها مطعمة بنوع من التواطؤ الثقافي والمعرفي. وبعد السقوط عدنا كلينا إلى ربوع الوطن وجمعنا العمل الثقافي والوظيفي مرة أخرى في أول وازرة للثقافة في حكومة أياد علاوي تحت إدارة رفيقنا العزيز (أبا نيسان) مفيد الجزائري. وجدت فيه إنسانا متألقاً ومتواضعاً ومليئاً بالنشاط والطموحات والمشاريع ومحبوب من قبل الجميع عدا القوى الظلامية التي كانت تتربص بنا نحن الذين لانمتلك أدوات الحماية المدججة بالسلاح. لم يكن يخاف من أحد ولا يخشى التعبير عن أفكاره ورؤيته لعراق الغد ويقول لا أحد يؤذيني لأنني لم ولن أؤذي أحد ولا يشكل وجودي خطراً على أحد ، لكنه كان مخطئاً فنشاطه وعطاءه التنويري والتوعوي للارتقاء بوعي الشباب يشكل نقطة خطر على قوى التجهيل التي أمسكت بالسلطة وحصنت نفسها بالقوى الميليشياوية التي تحميها وتسكت الأصوات والأقلام الحرة والتقدمية بالتهديد وكتم الأصوات وبالرصاص والاغتيالات والقتل والخطف وغيرها من الأساليب الهمجية. كان كامل شياع ضليعاً بالفلسفة ويمتلك ثقافة موسوعية هائلة لم نستفد منها كثيراً إلا من خلال بعض ما نشر له هنا وهناك على فترات متباعدة وكانت نقاشاتنا عميقة وثرية ومتنوعة طيلة تواجدنا معاً في مكاتب وأروقة ونشاطات وزارة الثقافة وجريدة «طريق الشعب» ومجلة «الثقافة الجديدة» حيث كان ينظم ويدير الندوات التي دعاني للمشاركة في بعضها. تعرضنا لتهديدات جدية معاً وكنت على وشك المغادرة إلى باريس في إيفاد طويل الأمد للمركز الوطني للسينما الفرنسي على حساب السفارة الفرنسية/ وزارة الثقافة الفرنسية ولم أكلف وزارة الثقافة ديناراً واحد أما كامل شياع فلم يهتم بهذا التهديد وكان يخرج بلا حماية وبسيارته الخاصة العتيقة وكان القدر يقف له بالمرصاد، وقوى الغدر تراقبه وترصد تحركاته وتتحين الفرصة لاغتياله.. كنت في باريس عندما تلقيت خبر استشهاده الصاعق والذي وضع حداً لقرار عودتي إلى العراق بضغط من عائلتي التي أصابها الرعب لقد فقدنا رفيقاً وصديقاً ومفكراً تنويرياً وقامة ثقافية كبيرة لاتعوض. عندما أتذكر كامل شياع وحيويته ونشاطه أصاب بالشلل لحزني اللامحدود على فقدانه ولم يعد بإمكاني مواصلة الكتابة عنه فأرجو المعذرة

عرض مقالات: