اخر الاخبار

يُعد شكسبير أحد أبرز كُتّاب المسرح في العالم، وكان تأثيره على اللغة الإنكليزية والأدب والمسرح هائلاً. يطالعُنا الاستاذ رضا الظاهر في كتابهِ (شكسبير مقارنة جمالية ماركسية) عن موضوع لطالما أثار نقاشات وحوارات كثيرة ومعمقة عن الدور الذي لعبه الأدب الشكسبيري، وخصوصاً المسرحي في معارضة ومقاطعة الكثير من الصراعات الطبقية المجتمعية، ومسلطاً الضوء على ذلك من خلال استشهاده بمسرحياته. 

ولد شكسبير عام 1564 في ستراتفورد أبون آفون، كتب 39 مسرحية، و154 قصيدة ذات أوزانِ وقافية (سونيت)، تناولت مواضيع كالحب والسلطة والغيرة والطبيعة البشرية وقام بتصوير الشخصيات المعقدة والصراعات العاطفية.

أعمال شكسبير انعكاس للواقع الاجتماعي في عصره، واستباقاً للنظريات السياسية والاقتصادية الحديثة. إذ شهدت إنكلترا في عهد شكسبير اضطرابات. وأدى الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية المبكرة إلى توترات اجتماعية جديدة. وساهمت الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء، وصعود البرجوازية، والنزوح الريفي في تشكيل المشهد الاجتماعي. وفي مقدمة كتاب الظاهر اشارة الى ان: (هذا الكتاب يسعى إلى تحليل منهجية دراسة شكسبير من منظور ماركسي، ومحاولة إضاءة أن ماركس كان شكسبيرياً، وأن شكسبير كان كاركسياً). وتعكس أعمال شكسبير هذه التغييرات. ففي مسرحية (الملك لير)، نشهد قسوة النبلاء الإقطاعيين تجاه الضعفاء والمنبوذين. ويعكس فقدان لير للسلطة وانحداره إلى الجنون هشاشة الهياكل الاجتماعية وضعف الإنسان، ويرى نقاد الأدب الماركسيون أن أعمال شكسبير نقدٌ دقيقٌ للظروف السائدة. ويجادلون بأن شخصيات شكسبير غالباً ما تكون مدفوعةً بعوامل اقتصادية، وأن الظلم الاجتماعي يلعب دوراً محورياً في مسرحياته. وتستكشف مسرحية (تاجر البندقية) موضوعي المال والربا. ويُصوَّر شايلوك المُرابي اليهودي، كضحيةٍ لمجتمعٍ يُهمِّشه بسبب دينه ومهنته، ورهانه على رطل من اللحم كضمانٍ لقرضٍ تعبيرًا عن وضع الربح الرأسمالي فوق القيم الإنسانية. وهنا لابد من الإشارة إلى نظرة ماركس في كتاب (رأس المال) إلى بطل تاجر البندقية (شايلوك) صوت المضطهدين والمحرومين.

كما فسَّر المفكرون الاشتراكيون أعمال شكسبير على أنها تعبيرٌ عن التعاطف مع المضطهدين والمُستغَلّين. ويرون في مسرحياته تذكيراً بالتضامن ومكافحة التفاوت الاجتماعي. ففي مسرحية (هاملت)، يُدان فساد البلاط الدنماركي. ويمكن تفسير تردد هاملت في قتل عمه كلوديوس على أنه تعبيرٌ عن انعدام ثقةٍ عميقٍ بالنظام السياسي ورغبةٍ في مجتمعٍ أكثر عدلاً. أعادت شخصيات مؤثرة، مثل جان كوت، تفسير أعمال شكسبير في ضوء الأفكار الماركسية. شدد كوت على البعد السياسي لمسرحيات شكسبير، واعتبرها استكشافاً للسلطة والعنف والظلم الاجتماعي. وكان لتفسيره لمسرحية (الملك لير) كدراسة لتفكك النظام السياسي وعبثية المعاناة الإنسانية أثرٌ دائم على دراسات شكسبير، وهذا يتطابق مع وجهة نظر الكاتب رضا الظاهر. وتؤكد وجهات النظر المختلفة حول أعمال شكسبير على جوانب مختلفة. فبينما يؤكد بعض النقاد على موقف شكسبير المُفترض أنه محافظ، ويجادلون بأنه دافع عن النظام الاجتماعي، يؤكد آخرون على موقفه التقدمي، ويعتبرونه ناقداً للأوضاع السائدة. ويُقرّ بأن أعمال شكسبير مُعقدة ومتناقضة. وفي السنوات الأخيرة، شقّت دراسات شكسبير آفاقاً جديدة وأظهرت بعض المقاربات أن مسرحيات شكسبير لا تزال ذات صلة بواقعنا اليوم، وأنها قادرة على مساعدتنا في فهم علاقات القوة المعقدة في مجتمعنا. وسيظلّ دراسة أعمال شكسبير في ضوء الأفكار الماركسية والاشتراكية أمراً بالغ الأهمية في المستقبل. فالأسئلة التي يطرحها شكسبير قائمة كما كانت في عصره.

وتُشكّل أعمال شكسبير كما تناولها الكاتب رضا الظاهر، مصدراً غنياً للتفسيرات الماركسية والاشتراكية. وتعكس مسرحياته التوترات الاجتماعية في عصره، وتطرح تساؤلات حول القوة والعدالة والمسؤولية الاجتماعية.

ان كتاب (شكسبير مقارنة جمالية ماركسية)، يثير أسئلةً عالمية حول السلطة وفسادها. وتجذب هذه المواضيع الخالدة الناس من مختلف الثقافات والعصور، وتتيح استكشافاً عميقاً للسلوك البشري، ذلك ان الكثير من شخصياته الرئيسية متعددة الأبعاد، ولا يمكن تقسيمها إلى خير أو شر. وهذا يسمح للمشاهدين والقراء بالتفكير في وجهات نظر مختلفة والتماهي مع صراعات الشخصيات الداخلية. ومن الأمثلة على ذلك البطل المأساوي (عطيل)، الذي أدت غيرته وانعدام أمنه إلى سقوطه. تعكس هذه الشخصيات المعقدة واقع الحياة البشرية وتدعو إلى التحليل. ويعتمد المخرجون والكتاب على أعمال شكسبير لسرد قصص جديدة أو تسليط الضوء على قضايا معاصرة كما يشير باز لورمان بتكييف مسرحية (روميو وجولييت) مع سياق حديث، مستهدفاً جيلاً جديداً من الجمهور. وتُظهر هذه التفسيرات أن مواضيع شكسبير لا تزال ذات صلة وقابلة للتكيف بسهولة مع السياقات المعاصرة.  علاوة على ذلك، لعبت شعبية شكسبير دوراً مهماً في التعليم الحديث. وتُدمج العديد من المدارس والجامعات حول العالم أعماله في مناهجها الدراسية. ويُعزز تدريس مسرحياته التفكير النقدي والمهارات التحليلية.