قدم برتولت بريشت، الكاتب المسرحي والشاعر والمخرج الشهير، مساهمات كبيرة في مجال المسرح باستخدامه المبتكر للتراث الشعبي وتوظيفها في السياسية. غالباً ما شكك عمله في الأعراف المجتمعية وتحدى الجمهور للتفكير بشكل نقدي في العالم من حولهم. ومع ذلك، فإن دخول برشت في السياسة واستخدامه للتراث الشعبي أدى إلى اضطهاده سياسياً من قبل السلطات وفي الأحداث السياسية الكبرى التي شكلت حياته المهنية، وكانت مصدراً أساسياً للعديد من أعماله التي انتشرت على نطاق واسع، ومن تلك الاعمال التي كان لها جذورها في الواقع السياسي الذي عانت منه ألمانيا هو مسرحية (الأم الشجاعة). هذا العمل المسرحي الكبير كان صرخة في وجه النزعة الحربية التي سيطرت على ألمانيا في تلك الحقبة. وتعد هذهِ المسرحية من أهم الاعمال التي جسدت العمل الملحمي على خشبة المسرح، وكانت عوامل التغريب وتأثراته جلية وواضحة في هذا العمل الكبير.
ان برشت، الكاتب المشاكس كان قد تبنى فكرة الديالكتيك في السرد المسرحي منذ عام 1898 في أوغسبورك في ألمانيا، ونشأ خلال فترة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية الكبرى. وفي القرن العشرين تصاعد نفوذ الفاشية وانتشار الأنظمة الشمولية في أوروبا. وقد تأثر برشت بشدة بهذه الأحداث وأصبح منخرطاً بشكل نشط في الحركات السياسية التي تهدف إلى تحدي أنظمة السلطة القمعية. وقد عكست مسرحياته معتقداته الماركسية وانتقدت الرأسمالية والإمبريالية والاستبداد كما كان صعود الحزب النازي في ألمانيا أحد الأحداث الرئيسية التي شكلت مسيرة برشت المهنية. في عام 1933، وصل أدولف هتلر إلى السلطة وبدأ حملة رقابة واضطهاد ضد الفنانين والمثقفين الذين نددوا بأيديولوجية النظام. وجاءت انتقادات برشت الصريحة للفاشية وعلاقاته بالجماعات السياسية اليسارية لتشكل هدفاً للسلطات مما اضطره الى الفرار من ألمانيا والتوجه إلى المنفى كالدنمارك والسويد والولايات المتحدة.
وفي منفاه واصل برشت كتابة وإنتاج المسرحيات التي تحدت الوضع الراهن وعززت التغيير الاجتماعي. أحد أشهر أعماله، (أوبرا القروش الثلاثة)، كان بالتعاون مع الملحن كيرت فايل وسخر من الفساد والاستغلال في المجتمع الرأسمالي. حققت المسرحية نجاحاً كبيراً وعززت سمعة برشت كصوت رائد في المسرح السياسي. بالإضافة إلى استخدامه للتراث الشعبي في مسرحياته، طور برشت أيضاً أسلوباً فريداً في الأداء يُعرف باسم (المسرح الملحمي). وأكد هذا الأسلوب على استخدام تأثيرات التغريب، مثل كسر الجدار الرابع واستخدام اللافتات لتقديم تعليق على الإجراء. ومن خلال تعطيل التفاعل العاطفي بين الجمهور والشخصيات، سعى برشت إلى تشجيع التفكير النقدي والتفكير في القضايا الاجتماعية والسياسية التي أثيرت في مسرحياته. على الرغم من مساهماته المبتكرة في مجال المسرح، واجه برشت اضطهاداً مستمراً من قبل السلطات طوال حياته المهنية. في الولايات المتحدة، تم استهدافه من قبل مطاردة الساحرات المناهضة للشيوعية خلال عهد مكارثي واتُهم بأن له علاقات مع المنظمات الشيوعية. وقد خضعت مسرحياته للرقابة ومنعت من الأداء العلني، كما تمت مراقبته من قبل الوكالات الحكومية بسبب معتقداته السياسية اليسارية، وأثرت تجاربه مع الاضطهاد السياسي على موضوعات وأفكار أعماله اللاحقة، والتي غالباً ما استكشفت عواقب قمع الدولة والرقابة. في مسرحيات مثل (الصعود المقاوم لأرتورو يوي) و(الخوف والبؤس للرايخ الثالث)، صور برشت الطبيعة القمعية للأنظمة الشمولية ودور الأفراد في مقاومة الطغيان. وكانت هذه المسرحيات بمثابة تعليق قوي على أخطار التطرف السياسي وأهمية حماية القيم الديمقراطية. وعلى الرغم من التحديات التي واجهها، ظل ملتزماً باستخدام التراث الشعبي والتفاعل مع القضايا الاجتماعية والسياسية في عصره.
وقد ساعد تعاونه مع فنانين مثل كورت فايل وآيسلر وكذلك إيرون بيسكاتور في الارتقاء بالشكل الفني ودفع حدود ما يمكن أن يحققه المسرح. من خلال الاعتماد على تقاليد الموسيقى الشعبية، والملاهي، وسرد القصص الملحمية، أنشأ برشت شكلاً جديداً من المسرح يتحدث مباشرة عن اهتمامات الناس العاديين ويتحداهم للتفكير بشكل نقدي في العالم الذي يعيشون فيه. إن مسرحه كان بمثابة تطور رائد ومؤثر في مجال الدراما ولم تكن مسرحياته تسلي الجماهير حسب، بل تتحداهم أيضاً لمواجهة الظلم وعدم المساواة في المجتمع.