لعبت الصحف الشيوعية مثل "طريق الشعب" ومجلة "الثقافة الجديدة" و "الطريق الثقافي" دوراً مهماً في تعزيز الثقافة العراقية المعاصرة. وفي سياق الذكرى التسعين لإصدار أول صحيفة للحزب الشيوعي العراقي، لابد من الاشارة الى تأثير هذه المطبوعات على الشأن الثقافي والسياسي في العراق، الذي كان تأثيراً بائناً وكبيراً عن طريق نشر الفكر التنويري بين الجماهير العراقية. وتعد "طريق الشعب" من أبرز الصحف التي أسسها الحزب الشيوعي العراقي. وقدْ صدرت جريدة (كفاح الشعب) في 31 تموز 1935، وحملت صفحتها الأولى شعار المطرقة والمنجل وعبارة (يا عمال العالم اتحدوا). لتكون الصحيفة الرسمية الاولى للحزب الشيوعي العراقي الذي كان قد تأسس قبل ذلك بسنة واحدة، في 31 آذار 1934.
وكانت تُعبر عن آراء الحزب وأفكاره ومواقفه فيما يدور في الساحة العراقية من أحداث ومتغيرات سياسية وثقافية. كانت الصحيفة منبراً هاماً للأدباء والمفكرين وتعكس مقالاتها التوجهات الفكرية والسياسية للحزب، مما جعلها تلعب دوراً فعالاً في نشر الفكر الشيوعي في العراق. من جهة أخرى، تمثل مجلة "الثقافة الجديدة" وسيلة لاستكشاف الأفكار الثقافية والفنية في العراق. وتهتم المجلة بإبراز الأعمال الأدبية والثقافية، وتُعنى بتعزيز الحوار الثقافي. وقد ساهمت هذه المجلة في توسيع آفاق المثقفين من خلال نشر نصوص نقدية وأدبية تعكس التوجهات السياسية والاجتماعية، التي تعبر عن الفكر اليساري التقدمي.
أما جريدة "الطريق الثقافي"، فهي تسعى لتعزيز الثقافة الوطنية من خلال نشر الدراسات والبحوث التي تتناول مواضيع متعددة تُعنى بإلقاء الضوء على القضايا الثقافية والاجتماعية الهامة، مما يسهم في بناء وعي ثقافي شامل بين القراء.
وعلى مر السنين، كان للصحافة الشيوعية في العراق تأثير كبير على المجتمعات. وقدْ استفاد العديد من المثقفين من هذه المنابر لتقديم أفكارهم ومناقشة قضاياهم، حيث ساعدت هذه الصحف على خلق مساحة حوار بين مختلف الفئات.
ان أحد الجوانب الهامة التي يجب التطرق إليها هو كيفية تعامل الصحف الشيوعية مع القضايا الاجتماعية. وكان جل اهتمامها ينصبُ على قضايا التعليم، المرأة، العمال، وهذهِ الموضوعات ذات أهمية قصوى بالنسبة للمجتمع العراقي. وركزت المقالات التي كانت تنشر على قضايا الاحتجاجات والظلم الاجتماعي، مما جعلها تعكس روح الفترة وظروفها. وفي السنوات الأخيرة، لا تزال هذه الصحف تلعب دورها في تعزيز الوعي الثقافي والسياسي. وتلقى قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية اهتماماً خاصاً. وتسلط هذه الصحف الضوء على التحديات التي تواجه المجتمع العراقي، مقدمة لأفكار جديدة تهدف إلى تحسين الأوضاع السياسية والاجتماعية.
وقد واجه القطاع الإعلامي العديد من التحديات، مثل الرقابة الحكومية، والتهديدات الأمنية، والمناخ السياسي العام والتي اثرت سلباً على حرية الصحافة. لكن الصحف الشيوعية أصبحت رمزاً للصمود والثبات أمام هذه التحديات.
وساهمت تقنيات الإعلام الرقمي في توسيع نطاق الوصول إلى الأجيال الجديدة من خلال تحسين وجودها على الإنترنت، وتعزيز تأثيرها الثقافي والمساهمة مع المؤسسات الثقافية والأكاديمية في تنظيم ورش العمل والندوات التي تهدف إلى تبادل الأفكار وتعميق الفهم الثقافي.
لقد لعبت الصحف الشيوعية في العراق دوراً بارزاً في ترسيخ الثقافة الوطنية، وأظهرت صحيفة "طريق الشعب" ومجلة "الثقافة الجديدة" وجريدة "الطريق الثقافي" التزاماً عميقًا بتعزيز الفكر التقدمي والثقافة الحرة. في ضوء التحديات التي تواجهها، يبقى الأمل في أن تستمر هذه الصحف للتأثير والإلهام لزيادة الوعي والثقافة في العراق. وكان الحزب الشيوعي العراقي قد لعب دوراً هاماً في تعزيز الوعي الثقافي في العراق من خلال منشوراته، وصحفهِ الورقية.
وفي أوائل الستينيات شكلت تحولاً في مسيرة الحزب، وبالتالي في مسيرة المجتمع العراقي. وخرجت صحيفة (طريق الشعب) من فترة من الاضطرابات السياسية والتغيير المجتمعي، بهدف توفير منصة للفكر اليساري، قادرة على التفاعل مع السرديات السائدة آنذاك وتحديها. وأصبحت الصحيفة صوتاً للعمال والفلاحين، مسلطةً الضوء على قضايا اجتماعية، مثل: حقوق العمال والإصلاح الزراعي، ومعاداة الإمبريالية. وقد أتاح هذا التركيز على القضايا المحلية للقراء ربط السياسة مباشرةً بحياتهم اليومية، مما عزز الشعور بالهوية والوعي الجماعي لدى الطبقة العاملة. بالتوازي مع ذلك، لعبت (الثقافة الجديدة) دوراً حيوياً في تغذية الخطاب الثقافي العراقي. وُلدت هذه المطبوعة من ضرورة دراسة التراث والأدب والفنون العراقية والاحتفاء بها من منظور يساري، وساهمت في إحياء الاهتمام بالفولكلور والتقاليد العراقية، مع تعزيز التعبيرات الفنية الحديثة. ومن خلال الدعوة إلى حوارات ثقافية متنوعة، نجحت (الثقافة الجديدة) في خلق مساحة فكرية شجعت النقاش بين الكُتّاب والفنانين والباحثين وكان لهذا التوجه دورٌ حاسمٌ في ترسيخ الشعور بأهمية الثقافة والهوية في وقتٍ كانت تُقمع من قِبل الأنظمة الاستبدادية. وقد أثّرت شخصياتٌ بارزة في الحزب الشيوعي العراقي من خلال منشوراتهم بشكلٍ كبير على تطوير الوعي الثقافي، وقدموا مساهماتٍ جوهرية من خلال أعمالهم. وكثيراً ما استكشفت مقالاتهم مواضيع الهوية الوطنية والعدالة الاجتماعية ومقاومة القمع، مما أثرى المشهد الثقافي العراقي. ولم يقتصر دور هؤلاء المثقفين على تشكيل محتوى المنشورات فحسب، بل ألهموا أيضاً جيلًا من المفكرين والناشطين الذين سعوا إلى تعزيز الأفكار التقدمية في بيئة قمعية. وعلى الرغم من المساهمات الكبيرة لصحيفة (طريق الشعب) ومجلة (الثقافة الجديدة)، فقد واجهت المنشورات تحدياتٍ كبيرة، لا سيما خلال فترات الاضطرابات السياسية. فعلى سبيل المثال، كانت الأنظمة الحاكمة معروفةً بعدائها للأيديولوجيات اليسارية. وقد أدى ذلك إلى فرض الرقابة واضطهاد المثقفين المرتبطين بالحزب الشيوعي. لقد أبرز النضال من أجل البقاء خلال هذه الأوقات القمعية مرونة هذه المنشورات والتزامها بتعزيز الوعي الثقافي. وبينما واجهت خطر الإغلاق والاضطهاد، فإن استمرار وجودها يرمز إلى الأمل للعديد من العراقيين الذين يتوقون إلى التغيير وتمثيل أكبر في السرد الثقافي. في السنوات الأخيرة، تطور المشهد الثقافي العراقي، متأثراً بالعولمة، والتكنولوجيا، والتطورات الاجتماعية، والسياسية. يقدم صعود منصات التواصل الاجتماعي فرصًا وتحديات للمنشورات التقليدية. من ناحية، تتيح هذه المنصات نشر الأفكار على نطاق أوسع وتسهل الحركات الشعبية من أجل التغيير الاجتماعي، مما يسمح بتوسيع نطاق الجمهور الذي يمكن أن تصل إليه منشورات الحزب.
وفي نظرتنا إلى المستقبل نجد بأن صحيفة (طريق الشعب) ومجلة (الثقافة الجديدة) وجريدة "الطريق الثقافي" سيعتمدون على قدرتهم وعلى التكيف مع المشهد الإعلامي المتغير مع الحفاظ على مبادئهما التأسيسية. وسيكون التأكيد على دورهم التاريخي في التنمية الثقافية والخطاب السياسي أمراً حيوياً. ويمكن للتفاعل مع الأجيال الشابة من خلال المبادرات الرقمية والمشاريع التعاونية مع الفنانين والمفكرين الناشئين في اغناء هذه المطبوعات عن طريق تبني أشكال جديدة من التعبير والسرديات الشاملة، ومواصلة تعزيز الوعي الثقافي والمساهمة في الخطاب المستمر حول الهوية والعدالة الاجتماعية في العراق.