إذا كان التعاطف في المسرح مرادفاً للتعاطف المجتمعي والفردي، فإن الكفاءة التعاطفية في السياق المهني هي القدرة على فهم المنظور والعالم العاطفي لشخص آخر والتصرف وفقاً لذلك. وقد يتقاطع كل هذا مع نظرية التغريب المسرحي، التي هي في الواقع العمود الفقري للمسرح الملحمي. هذا يعني أن الأشخاص لا يمكنهم إدراك وفهم تصرفات شخص آخر إلا إذا تصرفوا بالفعل بالطريقة نفسها. ولكن كيف نجد التجارب المشتركة وكيف يمكننا مشاركتها؟ هل يمكننا مشاركة تجاربنا وأفكارنا مع الآخرين على أمل أن يلقوا تفهماً متعاطفاً من الشخص الآخر، حتى لو لم يختبر الشخص الآخر ما مررنا به من قبل؟ ماذا يعني التعاطف المسرحي، وماذا سوف يقدم للمتلقي في الواقع وكيف يمكنك إدراكه؟ عند التفاعل مع الآخرين، يرسل الناس دون وعي مجموعة متنوعة من الإشارات إلى نظرائهم، حتى لو لم نرغب في كثير من الأحيان التعبير عن مشاعرنا بصدق ليكون لها تأثير على الآخرين: وضع الشفاه، وحركة العينين. ورد فعل بؤبؤ العين، والتجاعيد في جبيننا، وهز أكتافنا، ونوع المصافحة، وتوتر أجسادنا ونبرة صوتنا. كل هذه الإشارات تكشف تفاصيل لا لبس فيها عن أفكارنا، وحالتنا العاطفية الحقيقية، وتشكل غالبية اللقاءات بين الناس.
وهذهِ اللقاءات المتبادلة تجعل من عوامل التعاطف المذكورة أكثر أهمية لتنمية الثقة المتبادلة، مع من يمكننا التواصل معه بتوظيف اللغة. نحن ندرك غالبية هذه الإشارات دون وعي ويقوم دماغنا تلقائياً بمقارنتها بالتجارب السابقة في مواقف مماثلة. نحن نقوم بشكل حدسي بنسخ تعابير الوجه أو وضعية نظرائنا عبر شبكة من الخلايا العصبية، تسمى الخلايا العصبية المرآة. وهذا يجعل دماغنا يتذكر التجارب المبهجة أو المؤلمة المماثلة.
إظهار التعاطف على خشبة المسرح: نحن نتعاطف. غالباً ما يُساوي مصطلح التعاطف أو القدرة على التعاطف مع الآخرين، ومع ذلك تشير نظريات التعاطف ومفاهيم تعليم التعاطف التطبيقية إلى أن التعاطف ينطوي على عملية أكثر تعقيداً ويحدد السلوك الشخصي والاجتماعي للشخص بشكل حاسم على حد سواء. (التعاطف الجماهيري مع ما يدور على خشبة المسرح هو: القدرة على فهم التجارب الفريدة لبعضنا البعض والاستجابة لها. وإن المفارقة في التعاطف هي أنه يمكن استخدام هذه القدرة لأغراض مفيدة وأخرى مؤذية على حدٍ سواء.
(إن كلمة التعاطف مبنية على ما جاء في المصطلح اليوناني القديم بالتعاطفِ مع ما يقوم به الممثل من دورٍ على خشبة المسرح، وهذا ما يميز المسرح الأرسطي عن المسرح الملحمي، والذي يعني في الأصل العاطفة الشديدة. في اليونانية الحديثة، لها دلالة سلبية تعني (التحيز المسبق، والعداء، والحقد المبني على الجهة التي يتم تغافلها، أو عدم التعاطف معها أصلاً). وفقاً للمعنى القاموسي لكلمة (Mitleiden) فإنها تعني التعاطف مع الآخر، وربما كان هذا المصطلح في اليونانية القديمة يشيرُ في الأساس إلى (العاطفة العنيفة)، ويحملُ مدلولاً سلبياً. ووفقاً لبول إيكمان، لا يعد التعاطف ولا الشفقة من المشاعر، بل هي ردود أفعال تجاه مشاعر شخص آخر. ويميز إيكمان أيضاً بين التعاطف المعرفي والتعاطف العاطفي: (إن التعاطف المعرفي يسمح لنا بالتعرف على ما يشعر به الآخر. أما التعاطف العاطفي فسوف يجعلنا نشعر بما يشعر به الشخص الآخر، والتعاطف يجعلنا نرغب في مساعدة الشخص الآخر).
يُشار إلى ان التعاطف المعرفي أيضاً باسم أخذ المنظور، وبالتالي يوصف بأنه فعل واعٍ ومتعمد وطوعي يخضع للتحكم المعرفي ويعتمد على عمليات معالجة معقدة للتعاطف. مع ذلك يبدو التعاطف المعرفي أكثر ملاءمة للغرباء الذين يعانون، لأن المشاعر ليست موثوقة بما فيه الكفاية وفي العمل المسرحي المهني ينصب التركيز على التعرف على الحالة الداخلية العامة للشخص الذي يتم التركيز على الدور المناط بهِ على خشبة المسرح ومقارنتهِ مع الواقع.
ولكي تكون طروحاتهِ وتنظيراتهِ قادرة على الفهم، كما يجب أن نحاول أن نبني وجهة نظر الشخص الآخر. ويمكن تحقيق ذلك إذا تم أخذ المكونات التالية بعين الاعتبار:
- إدراك وتفسير الإشارات التي تشير إلى الحالة العاطفية والجسدية للشخص الآخر (الأقوال والإيماءات وتعبيرات الوجه، وكل تلك الإيماءات التي يقوم بها الممثل على خشبة المسرح، والتي هي في الواقع اشارات يرسلها الممثل إلى المتلقي لغرض التأثير المباشر على عواطفهِ، ومحاولة جرهِ إلى ذات الموقف الذي يتبناه).
- التعرف على أفكار ودوافع ونوايا ومعاني سلوك الشخص الآخر.
- التعرف على المشاعر.
إذا كان التعاطف في المسرح مرادفاً للتعاطف المجتمعي والفردي، فإن الكفاءة التعاطفية في السياق المهني هي القدرة على فهم المنظور والعالم العاطفي لشخص آخر والتصرف وفقاً لذلك. وقد يتقاطع كل هذا مع نظرية التغريب المسرحي، التي هي في الواقع العمود الفقري للمسرح الملحمي، ويعدُ ركناً أساسياً في إيصال الأفكار والرؤى بتجردٍ تام دون أن يكون لعوامل التعاطف دوراً في القرار الذي يبنيه المتلقي للعرض المسرحي. ومن هنا نشأ الخلاف البائن بين المسرح الملحمي والمسرح الارسطي، إذ هما على طرفي نقيض، ويتبنى كلُ مسرحٍ نظرية يعتمدُ عليها في كل العملية المسرحيةِ نصاً وإخراجاً وتمثيلاً. فيعتمدُ المسرح التقليدي على التعاطف، بينما يعتمدُ المسرح البرشتي على قتل التعاطف لدى المتلقي، وتركهِ يتبنى أفكاراً من دون التأثير عليهِ مطلقاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
„Verfremdung um Anzunähern“
Episches Theater als theaterpädagogischer Ansatz zur Empathieförderung
in der Pflegeausbildung, von Julia Haas (TP12-2), Dorfgärtenstraße 22, 68199 Mannheim