من المعلوم ان مسرح الصورة قائم على كسر المألوف، وكسر النمطية المسرحية المعتادة عند المتلقي. وكان برشت اهم العاملين على تطوير الصورة المسرحية، وقدْ أحدث ثورة في المسرح الحديث بتقنياته المسرحية الملحمية. آمن برشت باستخدام مزيج من العناصر المرئية والموسيقى والحوار لإنشاء (إيماءة) أو لفتة من شأنها أن تنقل الرسالة الأساسية للمسرحية إلى الجمهور. لا تزال أعماله، مثل (الأم الشجاعة وأولادها) و(أوبرا القروش الثلاثة)، تتم دراستها وتقديمها في جميع أنحاء العالم اليوم. وقد برزت علاقة برشت بمسرح الصورة في تاريخ المسرح العالمي كواحدة من أهم التحولات الفكرية والفنية التي شهدها العالم، ولتتجلى أهمية هذه العلاقة، ينبغي أن ندرس التحولات التي أحدثتها هذه العلاقة في فن المسرح. في بداية القرن العشرين حيث كانت الساحة الفنية الألمانية مشغولة بالعديد من الاتجاهات المسرحية الجديدة التي تسعى لكسر التقاليد الكلاسيكية والانخراط في قضايا اجتماعية وسياسية أعمق. كان برشت واحداً من المخرجين والكتاب المسرحيين الذين لعبوا دوراً محورياً في هذا التحول. إن نظرية (المسرح الملحمي) التي قدمها برشت كانت محاولة لتمييز المسرح عن الأدب التقليدي والتركيز على الأفكار الخلاقة كوسيلة للتغيير الاجتماعي والسياسي. وفي المقابل، تميز (مسرح الصورة) برؤية قائمة على البصرية والتأثيرات الفنية، حيث يسعى إلى خلق مشاهد بصرية قوية ومؤثرة تعمل على إيصال الرسالة بطريقة غير تقليدية. لقد كان المخرجون الرواد مثل روبرت ويلسون وبيتر بروك اللذان اعتبرا من أوائل من عمل في هذا المجال، حيث أضافا بعداً جديداً لأهمية الصورة البصرية في المسرح. ويمكننا القول بأن تأثير برشت الكبير على مسرح الصورة في إمكانية استخدام الصورة في خدمة الأهداف الاجتماعية والسياسية للنص المسرحي. وتعدُ نظرية التغريب البرشتية، التي تهدف إلى إبقاء الجمهور واعياً على للتطورات الاجتماعية التي تعالج على خشبة المسرح، دون الانغماس العاطفي معها، تتماشى إلى حدٍّ كبير مع مفهوم مسرح الصورة. الصورة هنا هي وسيلة لإبراز التناقضات والمفارقات على خشبة المسرح، مما يُحدث تحفيزاً فكرياً وليس فقط ترفيهاً بصرياً. لكن هناك أيضاً جوانب نقدية لهذه العلاقة. والنقد الأساسي يكمِنُ من أن التركيز على الصورة يمكن أن يؤثر سلباً على النص والتقاليد الأدبية الموروثة من المسرح التقليدي، وعندما تصبح الصور البصرية هي الوسيلة الرئيسية للتأثير، يمكن أن تتعرض النصوص للقمع أو التبسيط المفرط. ان برشت يؤمن بأن الفكرة والمضمون هما الأساس، وأن الصورة يجب أن تكون تابعة لهما، وليس العكس، بينما نجد أن مسرح الصورة قد وزّع الأضواء على العناصر البصرية في المسرح المعاصر، مما أدى إلى تطورات تقنية وفنية مذهلة. إن التقنيات الرقمية الحديثة والإضاءة المتقدمة باتت تلعب دوراً حاسماً في كيفية تقديم العروض. وهذه التطورات توفر إمكانيات لا حصر لها للإبداع والتجديد، ولكنها أيضاً تفتح الباب للتساؤلات حول ما إذا كانت قد تبتعد عن جوهر المسرح كنص وتأثير درامي. إذاً، يُمكننا القول إن برتولت برشت قد ترك بصمة لا تمحى في مسار المسرح العالمي. وكانت علاقته بمسرح الصورة مزيجاً من التعاون والتحدي، حيث ساهمت في إثراء فن المسرح وفي الوقت نفسه أثارت العديد من النقاشات حول المستقبل هذه العلاقة التي تمثل نموذجاً لفهم كيف يمكن للمؤثرات البصرية، بأن تخدم النص والأهداف الاجتماعية والسياسية في المسرح، وتبقى مساحة مفتوحة للإبداع والنقد في آنٍ واحد.
ويعد مفهوم التغريب على خشبة المسرح بوصفه عنصراً أساسياً في عالم المسرح الحديث، ولو نظرنا إلى عنصر التأثير في التغريب الذي بشرَّ به بريشت في المسرح وعلاقته بمسرح الصورة أو (المسرح البصري)، لنجد ذلك الترابط الوثيق بين الحركتين المسرحيتين.
لقد ظهرت نظرية (تأثر التغريب) Verfremdungseffekt في أوائل القرن العشرين كرد فعل على التجارب الطبيعية والعاطفية التي يروج لها المسرح التقليدي. هدفَ برشت إلى خلق شكل من أشكال المسرح يشجع التفكير النقدي بدلاً من تحديد الهوية العاطفية. باستخدام تقنيات مثل كسر الجدار الرابع، واستخدام الإضاءة الصارخة، وسرد المشاهد، واستخدام اللافتات، وسعي برشت إلى منع الجمهور من فقدان أنفسهم في سرد المسرحية والبقاء بدلاً من ذلك مراقبين موضوعيين ونقديين يمكنهم تحليل القضايا الاجتماعية والسياسية التي تم تصويرها.
تزامن نهج برشت المبتكر في المسرح مع حركة أوسع في الفنون نحو التجريد والتجريب. يشترك المسرح المرئي، في هدف مماثل، ولكنه يستخدم أساليب مختلفة لجذب المشاهدين. يدمج مسرح الصورة عناصر من الفن البصري، مثل اللوحة الحيوية، والاستخدام التعبيري للمساحة، والوسائط المتعددة، لإنشاء مشهد مرئي ينقل المعنى من خلال الصور بدلاً من السرد وحده. ينصب التركيز في مسرح الصورة على اللوحة المرئية التي تسمح للجمهور بتفسير السيناريو بناءً على أفكارهم وتجاربهم.
لقد كان تأثير العلاقة بين التغريب في المسرح ومسرح الصورة كبيراً. فمن ناحية، يمكن أن يؤدي دمج المبادئ البرشتية في المسرح البصري إلى شكل قوي من أشكال سرد القصص الذي يتحدى الجمهور للتفكير بشكل نقدي والتعامل مع المادة على مستوى أكثر فكريًا. ويمكن للعناصر المرئية في مسرح الصورة أن تعزز التأثير البعيد عن طريق تعطيل التدفق السردي بصرياً، وبالتالي إضافة طبقة إضافية من التعليقات أو تخريب التفسيرات التقليدية.
أن العلاقة الترابطية بين التغريب ومسرح الصورة تحمل إمكانات واعدة لمزيد من التطور في فنون المسرح. تقدم التقنيات الناشئة مثل الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، طرائق جديدة لتوسيع المكونات البصرية والتجريبية للمسرح. يمكن لهذه التقنيات أن تخلق أشكالًا جديدة من التفاعل والمشاركة مع الحفاظ على المبادئ الأساسية للتغريب وكذلك للتفكير النقدي. ومع ذلك، يصبح من الضروري بالنسبة للمبدعين أن يحافظوا على التوازن بين الابتكار البصري والحفاظ على النظرية النقدية والمستمدة من التغريب في لمسرح البرشتي.
إن العلاقة بين تأثير التغريب في المسرح ومسرح الصورة قد أثرّت المشهد المسرحي، حيث قدمت طرقاً جديدة لإشراك الجماهير وإثارة الفكر. وفي حين أن هناك جوانب إيجابية وسلبية لهذا التقاطع، ذلك ان الحوار المستمر بين هذه الأشكال يستمر في توسيع حدود كيفية تواصل المسرح وتحدي الأعراف المجتمعية. ومع تقدم التكنولوجيا، تبدو إمكانات التطورات الجديدة في هذا المجال لا حدود لها، مما يجعل هذا مجالاً مثيراً للاستكشاف والتجريب في المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر:
1- Strukturen des modernen
epischen Theater, Verlag Otto
Sagner München ∙ Berlin ∙
Washington D.C.