يمثل الزمن عنصرًا جوهريًا في بناء الرواية، حيث يسهم في تشكيل هيكلها العام، وتوجيه مسار أحداثها، فمن خلال التحكم في تدفق الزمن يستطيع الكاتب بناء حبكة مترابطة، يظهر فيها تطوّر الشخصيات، ويخلق توترًا وتشويقًا يسهمان في جذب القارئ، كما يعتبر الزمن عاملًا أساسيًا في تحقيق واقعية الأحداث ويتيح التفاعل مع بيئة زمنية تناسب سياق القصة. في الروايات، يلعب الزمن دورًا حيويًا من خلال أنواعه المختلفة. فيُعد الزمن الخطي بمثابة الطريقة التقليدية لتسلسل الأحداث بشكل متتابع، مما يسهل على القارئ متابعة الحبكة وفهم تطور الشخصيات. بينما يسمح الزمن الخارجي بوضع القصة في سياق تاريخي أو واقعي محدد، ويركز على تجربة الشخصيات الفردية وذكرياتهم، الزمن التقويمي كذلك يوفر إطارًا دقيقًا للأحداث باستخدام تواريخ وأيام محددة.
كما يخلق الزمن الدائري إحساسًا بتكرار أو تداخل الأحداث، مما يضفي تعقيدًا على السرد، ويعالج الزمن المستقبلي أحداثًا تقع في المستقبل، مما يفتح المجال لخيال علمي واستشراف للمستقبل. كل نوع من هذه الأنواع يسهم في إثراء السرد وإبراز موضوعات الرواية بطرق متنوعة.
أما الزمن النفسي فيعكس شعور الشخصيات بالوقت، الذي قد يختلف تبعًا لحالتهم النفسية.: ان المفهوم الأدبي يصف كيفية إدراك الشخصيات للوقت بشكل ذاتي، متجاوزاً القياس التقليدي للوقت، حيث يتيح للكتّاب استكشاف العمق النفسي للشخصيات وتأثير العواطف والذكريات على شعورهم بالوقت.
وقد ناقش النقاد أمثال: بول ريكور مفهوم الزمن وعلاقته بالسرد، فتناول العلاقة بينهما مشيراً إلى إمكانية الأدب في أن يعبر عن التجارب الزمنية المعقدة وذلك بتحليل النصوص الأدبية، وفهم كيفية تمثيل الزمن النفسي وتأثيره على بنية السرد.
اما مارسيل بروست فقد ركز في روايته "البحث عن الزمن المفقود" على التدفق الحر للوعي والذكريات التي تؤثر على إدراك الزمن.
الزمن النفسي هو أداة قوية في الأدب، تسمح للكتاب بتقديم تجارب إنسانية معقدة وعميقة، حيث تكشف الروايات عن خفايا النفس مما يعزز فهمنا للذات وللعالم من حولنا. ويمكن أن يكون الزمن النفسي طويلًا أو قصيرًا بناءً على المشاعر والتجارب التي تمر بها الشخصية. كما أنه في الروايات العاطفية، يمكن أن يكون لحظة واحدة مشبعة بالعواطف وتستمر صفحات عديدة من الكتابة، أو يمكن أن تمر سنوات في جملة واحدة إذا كانت الشخصية غير مبالية بما يحدث من حولها.
ومن مميزات هذا الزمن أنه يسهم في تعزيز عمق المشاعر، فالروايات العاطفية تعتمد بشكل كبير على الزمن النفسي. عندما تكون الشخصية في حالة حب، يمكن للزمن أن يتباطأ ليعكس كل تفصيلة صغيرة وكل شعور يمر به. على سبيل المثال، في رواية "ذهب مع الريح" لمارغريت ميتشل، يمكن أن نجد الزمن النفسي واضحًا في مشاعر سكارليت أوهارا:
"في تلك اللحظة، شعرت سكارليت بأن الزمن يتوقف، وكأن العالم بأسره يتوقف عن الدوران. كانت تلك اللحظة مليئة بالحب واليأس في آن واحد."
يمكن للزمن النفسي أن يتشابك مع الزمن الخارجي ليعكس حالة الاضطراب الداخلي للشخصية. مثاله في رواية "آنا كارينينا" لتولستوي، نجد أن الزمن النفسي لآنا يتأثر بشكل كبير بحالتها العاطفية، وأن الزمن الخارجي يتباطأ بينما تعيش آنا لحظات من التأمل العميق:
"كان الزمن يمر ببطء قاتل، كأنه يتوقف تمامًا. شعرت آنا بأن كل دقيقة تمر كأنها ساعة، وكل ساعة كأنها يوم. كانت غارقة في بحر من المشاعر المتضاربة، بين الحب والشك واليأس." وقد يستخدم الزمن النفسي كوسيلة للتأمل والتفكير العميق. الشخصيات غالبًا ما تعود بذكرياتها إلى الماضي أو تتخيل المستقبل، فيبين الزمن النفسي حالتها النفسية الراهن في"مدام بوفاري" - غوستاف فلوبير، نجد إيما بوفاري تعيش في عالمها الخاص، حيث يتداخل الزمن النفسي مع الزمن الخارجي ليعكس حالتها النفسية:
"في تلك اللحظة، شعرت إيما بأن الزمن يتوقف. كانت تفكر في حياتها الماضية، في أحلامها وآمالها التي لم تتحقق. كانت اللحظات تمر ببطء شديد، وكأنها تعيش في عالم منفصل عن الواقع."
ان الزمن النفسي يعكس بعمق مشاعر وتجارب الشخصيات في الروايات العاطفية والوجدانية عن طريق هذه الشواهد الحقيقية من الأدب، كما يمكننا أن نرى كيف يتداخل الزمن النفسي مع الزمن الخارجي ليعبر عن الحالة النفسية للشخصيات، مما يعزز من قوة السرد ويضيف عمقًا للتجربة الأدبية. يساعد فهم الزمن النفسي القارئ على التعمق في الرواية والعيش مع الشخصيات في تجاربهم العاطفية والنفسية.
في رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي، نجد بطل الرواية خالد بن طوبال يعيش في زمن نفسي مليء بالحنين والذكريات، خاصة عندما يتذكر حبه القديم:
"كان الوقت يمضي ببطء قاتل، وكل دقيقة تشعرني بأن العمر يتوقف. كنت أعيش في زمني الخاص، زمن الذكريات والحنين، حيث كل شيء يعيدني إليها، إلى حب لم يكتمل." وفي رواية "القوقعة" لمصطفى خليفة، يعبر الزمن النفسي عن حالة السجن والعزلة التي يعيشها البطل، حيث تتداخل الأيام والأسابيع في ذهنه: "لم أعد أستطيع تحديد الزمن بدقة. كانت الأيام تتداخل مع الليالي، واللحظات تمر ببطء قاتل. كان الزمن النفسي يعكس حالة العزلة والضياع التي أعيشها." في "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور، نجد الزمن النفسي للبطل يتجلى في لحظات الحنين والتأمل في ماضي الأندلس: "كنت أجلس في شرفة المنزل، أراقب الشمس تغرب. كانت اللحظات تمر ببطء، وكأن الزمن يتوقف. كل شعاع من أشعة الشمس كان يعيدني إلى أيام غرناطة، إلى ذكريات لم تغب عن بالي."
ان الروايات العاطفية والوجدانية من أكثر الأنواع الأدبية التي تأسر القارئ، حيث تتعمق في مشاعر الشخصيات وتجاربهم النفسية. ويعتبر الزمن النفسي عنصراً رئيسياً في هذه الروايات، وعنصراً حيوياً يعكس بعمق مشاعر وتجارب الشخصيات والحالة النفسية التي صاحبتهم اثناء الحدث، وذلك بفهم الزمن النفسي مما يجعل القارئ يتعمق أكثر في الرواية ويعيش التجارب العاطفية والنفسية للشخصيات بشكل أكثر واقعية وتأثيرًا.