أعلنت الأكاديمية السويدية مؤخراً فوز الكاتبة الكوريّة الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب لعام 2024 وذلك “ لنثرها الشعري المكثف الذي يواجه صدمة التاريخ ويكشف ضعف الإنسان”، كما ورد في قرار المنح. هنا حوار أجراه معها موقع “ ذي بوكر برايسز” أواخر تموز 2023 بعد فوز روايتها “النباتيّة” بجائزة البوكر العالمية ، والتي تتحدث فيهاعن تأثير الفوز بهذه الجائزة ، وكيف تم إستقبال الرواية في أنحاء العالم وعن السؤال ،عما يعنيه أن تكون إنساناً.
* كُنتِ الأولى من الكُتّاب الكوريين التي تترشّح لجائزة البوكر العالمية ومن ثم الفوز بها. هل تشعرين بأن الرواية الكوريّة قد حظيت بتقدير أكبر بعد فوزك بالجائزة، أم أنها أصبحت أكثر شهرة عالمياً؟
- عند فوزي بالجائزة ، كان هناك بالفعل شعراء وكتاب كوريون ممتازون - مثل كيم هيسون - الذي تُرجمت أعماله إلى اللغة الإنجليزية. والآن، تتم ترجمة المزيد والمزيد من أعمال الكتاّب الكوريين ونشرها في الخارج، وزاد عدد المترجمين الذين يعملون في مجال الأدب الكوري بشكل كبير - وهي الظاهرة التي يبدو أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنجاح العالمي للسينما والموسيقى الشعبية الكورية.
* إستندتْ الرواية إلى قصتكِ القصيرة “ثمرة امرأتي” التي كُتبت عام 1997. ما الذي ألهمك لتطوير هذه القصة إلى رواية كاملة، أو قصة من ثلاثة أجزاء؟
- بعد أن كتبت “ثمرة امرأتي”، كنت أتمنى أن أكتب ذات يوم قصة مختلفة عن تلك القصة. ولم أتمكن من فعل ذلك إلا بعد كتابة روايتين كاملتين ، حيث جاءت روايتي الثالثة “ النباتية” . على وجه الخصوص، حيث يحتفظ الجزء الأول من “النباتية” بالعديد من الآثار الشكلية للقصة القصيرة الأصلية. على سبيل المثال، يتولى الزوج دور الراوي غير الموثوق، ولا يظهر صوت البطلة الأنثى إلا جزئيًا، في الأحلام أو في المونولوجات الموجّهة إلى أُمِها. والفرق بين هاتين القصتين عن امرأة تصبح - أو تريد أن تصبح - نباتيّة يكمن في مستوى الظلام والعاطفة والشدة. أما “ النباتيّة” فيمكن القول بأنها أكثر قتامةً وشدةً وألماً؛ لا يحدث شيء خارق للطبيعة كما في “ثمرة امرأتي”، أما الشخصيات فإنها تنزلق إلى حتفِها في خضم الواقع الوحشي. وهناك فرق آخر وهو أن بطلة الرواية لديها أخت، مما يخلق شعورًا غريبًا بالهوية الذاتية.
* تُرجِمَت رواية ( النباتّية) الى أكثر من عشرين لغة. هل كانت ردود الفعل إتجاه الرواية مختلفة في بلدان مختلفة؟ فهل فوجئتِ بردود الأفعال هذه؟ وهل إجتذبت قُراء مختلفين ( مثل القرّاء الأصغر سناً) في أماكن مختلفة ،أو أنها لاقت صدىً مختلفاً؟
- من المثير للاهتمام حقاً أن نرى الاختلافات الدقيقة في التفسير بين الثقافات والأجيال المختلفة، ولكن ما يذهلني أكثر هو تلك الطريقة التي استُقبلت بها الرواية بشكل عام. على سبيل المثال، تم قبولها وفهمها بشكل أكبر من قبل القارئات وفي كل مكان.
* بالنسبة للنسخة الإنجليزية، عملت مع مترجمة الكتاب، ديبورا سميث ( تعلّمتْ سميث الكوريّة بنفسها وهذا أول كتاب تترجمه ). كيف كانت هذه التجربة مقارنةً بترجمات بلغات أخرى؟ وماهو شعورك بوجود قدر كبير من الجدل حول الترجمة ؟
- على العكس من كل المخاوف التي عبّر عنها كثيرون، لا أرى أن المُترجمة قد أضعفتْ النص ألأصلي عمداً، ولا أرى أنها خلقتْ عملاً جديداً مختلفاً تماماً عن الأصل. لقد تم تصحيح الأخطاء، والترجمة بطبيعتها عملاً ليس سهلاً وهومعقّد للغاية وينطوي على الخسارة والاستكشاف. فالغنائية، والإيقاعات، والتوتر الشعري، والدقة، والمعاني المتعددة الطبقات، والسياق الثقافي العميق للغة الأصلية ــ كل ما هو ممكن فقط في تلك اللغة ــ تضيع حتماً في الانتقال إلى لغة أخرى. وتتمثل المهمة الصعبة التي يواجهها أي مترجم في الإبحار عبر هذا النفق المظلم من الخسارة وإيجاد أقرب المعادِلات أو التشبيهات لتكون وفيّة قدر الإمكان للنص الأصلي.
لقد إطلعت على النسخة الإنجليزية من روايتي “النباتية” لأول مرة عندما أرسلت لي دار النشر “كرانت” مخطوطة النسخة الأولى منها. في ذلك الوقت، كنت منغمسةً في كتابة روايتي “أفعال بشرية” ، ولأكون صادقةً ، فقد أمضيت نحو ثلاث أو أربع ساعات في قراءة المخطوطة من دون البحث عن الكلمات في القاموس، واكتشفتُ العديدَ من الأخطاءِ، وتبادلتُ بضعَ رسائلَ إلكترونية مع المترجمة. وفي عام 2015، لم اكن منشغلةً في الكتابةِ وكنت مرتاحة البال في الوقت الذي كانت فيه ديبوراه تعمل على ترجمةِ رواية “أفعال بشرية”، مما مكّنني في الانخراط في حوارٍ عميقٍ معها . عندما تَرجَمَتْ ديبوراه رواية “الكتاب الأبيض” عام 2017، قارنّا سويّة المخطوطة مع النص الأصلي جملة بجملة. لاحقًا، وعندما اثير نقاش مُحتَدِمْ حول ترجمة رواية “النباتيّة”، تمنّيت لو أنني قضيت وقتًا طويلاً في مراجعة الترجمة كما فعلت مع رواية “أفعال بشرية”. في الواقع، ربما كان ينبغي لي أن أكلف خبيرًا بمقارنتها جملة بجملة مع النص الأصلي.
يبدو أن المناقشة كانت عبارة عن خلط مُربِك بين حجتين. الأولى هي الترجمة الخاطئة، حيث تم ارتكاب بعض الأخطاء. كانت هناك ترجمات خاطئة للحروف الصينية إضافةً الى افتراضات غير صحيحة حول السياق العام. ثم تمت مراجعة إصدارات المملكة المتحدة والولايات المتحدة من (النباتيّة) ، التي أعيد طبعها في عام 2018، فضلاً عن إصدارات اللغات المترجمة عن اللغة الإنجليزية.
* تجمع رواية ( النباتيّة) بين الجمال والرعب. إنها قصة وحشية ومزعجة في بعض الأحيان، إضافةً لمشاهد العنف الجسدي والجنسي، والتغذية القسرية، والشعور المخيف بالموت. ما الذي يجذبك إلى الكتابة عن مواضيع أكثر قتامة ؟
- ما أردته هو تناول الأسئلة التي كانت تراودني عن العالم والإنسانية في ثلاثة أقسام عن أختين تصرخان في صمت: إحداهما تريد أن تتوقف عن كونها جزءاً من الجنس البشري، رافضةً أكل اللحوم وتعتقد أنها تحولت إلى نبات، والأخرى تريد أن تحمي أختها من الموت، وهي نفسها تعاني من صراع وألم. عندما أكتب روايات، أجد نفسي أحاول الوصول إلى نهاية السؤال - وليس الإجابة - الذي جذبني في البداية إلى كتابتها. لاختراق أسئلتي حول معنى أن تكون إنسانًا، كان لابد لي لا مفر من المرور بمثل هذه المشاهد والصور المكثفة.
* الرواية مليئة بالأيقونات البصرية والزخارف المتكررة. هل كن في نيتكِ إدراج هذه العناصر في القصة، أم أنها تطورها كان طبيعياً؟ ثم ما مدى أهمية هذه العناصر البصرية في القصة؟
- في كتابتي للقصص الخيالية، أركّز كثيرًا على الحواس. أريد أن أنقل حواسًا حيّة كالسمع واللمس، إضافةً الى الصور المرئية. أقوم بغرس هذه الأحاسيس في جملتي كالتيار الكهربائي، ثم، ومن الغريب أن القارئ يميّز هذا التيار. إن هذا الإتصال هو تجربة رائعة بالنسبة لي في كل مرة.
* كتبتِ رواية “النباتية” في عام 2007، وعندما تُرجمت إلى الإنجليزية في عام 2015، شعر العديد من القراء والمراجعين بأنها كانت مجرد أمثالاً، وتعليقات متجاوزة للأتيكيت والمجتمع الكوري، فضلاً عن السلطة الأبوية. بعد 16 عامًا، هل تشعرين أن هذا الموقف لا يزال قائمًا؟
- أتفق على أن الرواية يمكن قراءتها كأمثال و كحكاية ضد النظام الأبوي. ومع ذلك، لا أعتقد أن هذا الأمر يقتصر على المجتمع الكوري. قد تكون هناك اختلافات في الدرجة، ولكن اليس هذا الأمر عالميًا؟ شخصياً، لم أخطط لخلق صورة للمجتمع الكوري على وجه الخصوص.
* تتحدى “النباتية” الهياكل السردية التقليدية، حيث يتم سرد قصة يونغ هاي من خلال ثلاثة رواة ، ومع ذلك نادراً ما يُسمحْ لها بإستخدام صوتِها. لماذا اخترتِ أن تُقدمي بطلكِ بهذه الطريقة؟
- شخصية يونغ قويّة ومتطرّفة، وهي عازمة على أن تصبح نباتاً من أجل إنقاذ نفسها. ومن عجيب المفارقات بالطبع أن جهودها هذه تقرّبها من الموت. وبدلاً من أن أجعل يونغ هي تتحدث بشكلٍ مباشر، أردتُ أن أُظهِر ومن خلال سرد الشخصيات الأخرى كيف يتم رصدها وكراهيتها وسوء فهمها وإشفاق الآخرين عليها وتحويلها إلى مجرد شيء. لقد تخيلت اللحظات التي يجمع فيها القراء حقيقتها كما تظهر من خلال سوء الفهم هذا.
* فازت رواية “النباتيّة” بجائزة البوكر الدولي إضافة الى فوزها بجائزة “يي سانج الأدبية”، كما حظيت بإشادة كبيرة من النقاد وتم إختيارها في قوائم أفضل أعمال العام . ماهو شعورك وأنتِ تكتبين نتاجاً يتم الإحتفاء به في جميع أنحاء العالم؟ وما هو التأثير الذي سيعكسه هذا الإهتمام على مسيرتكِ المهنية مستقبلاً؟
- كانت السنوات الثلاث التي قضيتها في كتابة رواية “النباتية” فترة عصيبة بالنسبة لي شخصياً، ولم أتخيل أبداً أن الرواية سوف تجد كل هذا العدد من القراء في يوم من الأيام. عندها ، لم أكن متأكدة مما إذا كنت سأتمكن من إنهاء الرواية، أو حتى البقاء ككاتبة. كنت لدي معاناة من التهاب مفاصل حاد في أصابعي، لذا كتبت الجزئين الأولين على مهلٍ، مستخدمة قلماً من اللباد ينزلق بسلاسة على الورقة، ثم كتبت الجزء الأخير وأنا ممسكة بقلمين حبر جافين بالمقلوب. وإلى اليوم، ينتابني الحرج عندما أسمع عن “نجاح” الرواية، خصوصاً وأن بطلة الرواية، يونج هي، لا يبدو أن كلمة “نجاح” تنطبق عليها. بطريقة ما، تمكنت من تجاوز تلك الفترة من حياتي وانتهيت من كتابة الرواية. ثم تمكنت من الانتقال إلى الرواية التالية. في المشهد الأخير من رواية “ النباتية” ، تنظر شقيقة يونغ هي من نافذة سيارة الإسعاف كما لو كانت تنتظر إجابة. كما لو كانت تحتج على شيء ما. في واقع الأمر، أشعر أن الرواية بأكملها تنتظر إجابة وتحتج على شيء ما. عادةً، تدفعني الأسئلة المتبقيّة عندي بعد كتابة رواية ، الى الرواية التالية، لذلك كتبتُ روايتي الرابعة بدءاً من السؤال في المشهد الأخير من رواية “ النباتية”: كيف نتعايش مع الحياة الإنسانية التي هي جميلة جداً وقبيحة جداً في ذات الوقت؟ بعدها جاء السؤال الذي طرحته في نهاية روايتي الرابعة ليصبح نقطة البداية لعملي الجديد. هذا ما أقوم به في الكتابة لحد الآن. لقد بدأت في كتابة رواية جديدة هذا الصيف ،في إنتظار الى ما يمكن الوصول إليه في النهاية .
* ما هي الأعمال الروائية الكورية الثلاثة المترجمة التي تنصحين القراء بقراءتها، ولماذا؟
- أود أن أوصي بقراءة رواية ( مائة ظل) بقلم هوان جونج أون ، ترجمة جونج بي وون ، و ( حول إبنتي) بقلم كيم هاي جن ،ترجمة جيمي جانج ، و ( الأرنب الملعون) بقلم تشونغ بورا ، ترجمة انطون هور . لا تحوّل الأعمال الثلاثة هذه نظر القراء الى جهة أخرى أبدًا، بل تجعلهم ينظرون مباشرة إلى العالم والباطن الإنساني.