ليست هذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها محليا الدعوات السلفية والتعصب المذهبي. فقد كانت تجري على نطاق محدود، في مواسم معينة، لكنها اليوم منتشرة كثيرا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات، والصحف الرقمية، ومن المفارقات المؤلمة، أنها تستخدم التقنيات الحديثة لنشر أفكارها وفي الوقت نفسه للتقليل من شأن المجتمعات التي صنعت هذه التقنيات!!! وإذا علمنا أن أي تقنية هي سلاح ذو حدين نرى هؤلاء الدعاة يركزون على الجانب السلبي في التقنيات بوصفها مؤامرة غربية لنشر الفجور والانحلال في العالم الإسلامي!! وما زالت هذه النغمة تتكرر منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين حتى اليوم، لكن الملاحظة أن الدعاة السابقين كاموا يستخدمون الكتاب أو الصحف لنشر آرائهم، وكان لبعضهم من الأسلوب الأدبي الجميل في كتبهم ما جعل تأثيرها باقيا حتى اليوم، وكان بعضهم يعمل في مجال التدريس أو الطب أو الهندسة، لكن الدعاة اليوم يستخدمون المؤثرات الصوتية والصورية أو الأداء الطقسي المباشر في عرض آرائهم، ولو نظرنا إلى الذكاء الاصطناعي لوجدنا المصنعين لهذه التقنية يركزون على تطوير التعليم ومناهجه، أو على البحث عن علاجات جديدة للأمراض العصية، أو تطوير في الجينات البشرية وغير البشرية، لتأمين الطعام لأكبر عدد ممكن من المجتمع، وكلها قضايا مستقبلية، قائمة على الإحصاءات، والتجارب الطبيعية والافتراضية. وفي كل الأحوال علينا أن نعرف أن هناك من يعترض على التقنيات الحديثة، لأسباب شتى، مثل تلوث المياه، أو السرطنة البعيدة المدى، أو محو الطبقة الوسطى، وغير ذلك، وهو حق مشروع لهم: لكن الخطر أن تستند هذه المعارضة إلى أسس دينية، وكأنها مسلمات مقدّسة، مع أنّ الدين نفسه يدعو إلى التفكر والتأمل، وإرجاع البصر في الكون، ولم يدعنا قطّ إلى قتل المختلف عنا في فكرة ما!!