لا يختلف اثنان من دارسي تاريخ الفن ومتذوقي جماليات الفن العراقي على ان الفنان غازي السعودي واحد من ابرز الاسماء العراقية في الفن الجداري ولد في بغداد عام 1935 انصب اهتمامه بهذا النوع في بداية مشواره الفني منذ ان دخل معهد الفنون الجميلة في خمسينيات القرن المنصرم وبدت خطواته الاولى راسخة منذ ان تعلم الدرس الاكاديمي في اكثر من مكان وكان من بينها التحاقه في بعثة دراسية الى روما عام 1962قدم الفنان السعودي اعمالا راسخة في بغداد لم تزل قائمة ليومنا هذا وبدا الغالب من تصوراته الفنية والجمالية تشير الى ابراز الرموز الحية للتراث العراقي وتأخذ من التاريخ القديم سمة تكوينية ومعالم واضحة في ابراز الجانب الفني وقد عرف عنه منذ ستينيات القرن المنصرم ولعه بالفن وقدم لنا تجارب تثير في داخل منظومتها الاهتمام بالأصول الحضارية واللافت حتي في تأكيد هذه السمة ثمة ما يشير الى الحياة والوقائع اليومية فهذا الفنان الحي لم يضمر ما يراه سبيلا ليخوض تجربته معززها بالاهتمام بالأصول من جهة والتأكيد على خطاب الحداثة وانتقائية التصور التعبيري الجديد للفن من جهة اخرى وبقيت ذائقته تتعامل مع اليومي والمحلي بما يفسر ولعه الشديد في خوض الصراع من اجل اعلاء كلمة (الحياة) ولكنها الكلمة الواثقة والمخطط لها لهذا اخذ على عاتقه اتساع نطاق طرائق اسلوبه الفني فتارة تراه مصرا على الفن الجداري واخرى في التخطيطات ومرة في الرسم بمكونات مختلفة وما هذه الطريقة الا دليلا على سعيه في التجريب وتخليه عن الدرس الاكاديمي لتعزيز مفاهيم حية داخل العمل وهو هنا كمن يغذي لوحاته بلمسات من معرفة الجمال الخالص ..ما فعله الفنان في اعماله مثّل لنا درسا حقيقيا في احياء الفن وتجسيد اليوميات واعاد الثقة بمظاهر التعبير الفني عبر خليط مختلف من المدارس فهو يقترب من التعبيرية ويمارس التجريد ويغور عميقا في المزج بين الواقعي والتكعيبي وكل هذا الاختلاف كان مشروطا بإبداء الجمال ونجاح العملية الفنية التي اسس لها قواما ثابتا بفعل بصيرته واسهامه المشدد على اعطاء الفن قيمة تصويرية وهي مليئة بصدق المشاعر ومن الملفت ان الفنان غازي السعودي كان حريصا في عمله حتى وهو يتلاعب بالسمة التخيلية للوحدات الصورية داخل منظومة عمله لتراها ممتلئة بطاقة رمزية تجعل العمل اقرب للحضور اليومي وهناك ما يلفت ايضا ان تعبيريته فيها من الاثارة البصرية ما تتقدم على غيره من اقرانه الفنانين .لقد انجز الفنان عشرات الاعمال المختلفة ولم يتنصل عن واقعه العراقي وبقى محافظا على ما تفيض به روحه من جمال وبعد معاينة للكثير من اساسيات الفن التعبيري .واجزم ان خطابه لم يتشكل بعيدا عن العودة لإحياء الموروث العراقي القديم منه والتراثي واصبحت فكرة ان تكون اللوحة حاملة لهذه السمة من اساسيات التفكير الملح على عقله ووجدانه وشعر بالانتصار والتواجد الكامل لكل ما احتواه فنه من مظاهر ليوميات صادقة او عودة لجذور قديمة وحية عينت مساره الفني فيما بعد
كيف فهم الفن والحياة ؟
غازي السعودي فنان حافظ على هويته العراقية واتخذ من الرسم ميداناً لمواجهة كل طارئ في الحياة فكان ينظر للغرض المثالي للفن وعمق جدليته بما استأثر به الفن العراقي القديم ( السومري والبابلي والاشوري ) من مكانة ولعل منطق مسار الفن والانتصار للإنسان في حياته امام الجهل كان من ميدان اهتمامه فالحياة عنده لم تكن مجازفة وجود بل حقيقة أراد ان يثبت فيها أسمه بما يخلقه من مسافة بين وجود فن ينتصر للإنسان وحياة تسودها الطمأنينة وقد وجدنا من الفن عنده ما يعزز من الجانب الرمزي في هذا التصور الشيء الكثير وهو بالفعل سمة بارزة حملت من آثاره الفنية ما تعطينا انطباعا صادقة عن اهتمامه بالفن ومسؤوليته الاخلاقية اتجاه خطابه التعبيري والجمالي ..لقد فهم الفن على انه رسالة وجود وانتصار للإنسانية وتعامل مع الحياة بمضاعفة احلامه ووجوده ولهذا سعى ان تكون منجزاته الفنية شاخصة امام اعين الجميع مثلما رأيناها في بوابة مدينة متنزه الزوراء وهي ست جداريات كبيرة تحقق نصبها وسط العاصمة بغداد منها ”جدارية الزوراء” بالموزاييك و”جدارية بغداديات” في مدخل المتحف البغدادي، واخرى تم تشيدها في القصور الرئاسية وغيرها من الاعمال التي ما ان نراها حتى ترشدنا لاسم غازي السعودي.