لا شك في إن العمل النقابي بمختلف توصيفاته وفي سياقه الطبيعي والافتراضي يصب في خدمة الأعضاء، بوصفه صوتاً معبراً عن مصالح المجموع. وهذا يمنحه شرعية المطالبة بالحقوق التي تتكفل الدولة (وليس الحكومات) بتأمينها وفق قوانين وأنظمة داخلية.
بيد إن بعض المؤسسات النقابية لا تتبع المسالك الصحيحة، ويقترن أداؤها بالمزاجية والمنافع الشخصية، أو ترتمي في أحضان السلطة لتكون جزءاً من دعاية مجانية لها وواحدا من أبواقها. وهذا بعكس ما تشكلت كنقابات من أجله. وهو ان تكون مؤسسة وطنية، لا تميل للسلطة مهما كانت طبيعة هذه السلطة.
ولعل الجدل الدائر بشأن عمل نقابة الفنانين العراقيين، تجاوز أيّ جدلِ مماثل حول عمل نقابات أُخرى، وذلك بالنظر الى كثرة التجاوزات في دورتها الحالية على قانون النقابة، سواء على صعيد بعض التعيينات، او في المسائل المالية والادارية، ومنها التفرد بقرار تعيين هيئة الرقابة من دون انتخاب، كذلك ما رافق تعيين رؤساء الشعب من قبل النقيب، في حين يتوجب انتخاب رئيس الشعبة من قبل أعضائها الفائزين، فضلا عن قضايا طويلة اخرى إذا عدنا للتفصيلات.
وفيما تقترب نهاية الدورة الحالية بنهاية سنتنا الميلادية هذه، من دون عقد اي اجتماع للهيئة العامة خلال هذه الدورة بطولها، كما ينص قانون النقابة، نرى الغموض يلف مستقبل نقابة الفنانين، ويُثير التساؤلات حول استمرار النقيب لدورة ثالثة رغم القانون الذي ينص على دورتين انتخابيتين فقط . فالقانون رقم(48) لسنة 2016 نص على ان (ينتخب النقيب والأعضاء الأصليون والاحتياطيون لمدة ثلاث سنوات ولا يجوز انتخاب النقيب اكثر من مرتين متتاليتين من تاريخ نفاذ هذا القانون). وبذلك ألغى قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) الذي كان يجيز انتخاب النقيب لأكثر من مرتين. كذلك بشأن تشكيل اللجنة المشرفة على الانتخابات، وهي من مسؤولية الوزارة (الثقافة) مع النقابة، أفلا يحق للمجلس المركزي إبداء رأيه في تشكيلها؟ أم أنها خاضعة لمزاج معين مثلما حدث في دورة الانتخابات السابقة؟ في حين يتوجب ان تأخذ هذه اللجنة بنظر الاعتبار مصلحة الفنان عضو النقابة، ورأيه في اختيار النقيب وأعضاء المجلس المركزي، وليس تعبئة رأي عام لدعم شخصيات معينة. كما ان عليها التعامل بتساوٍ مع الجميع من دون أدنى تفرقة أو انحياز، واجراء انتخابات تتسم بالنزاهة باختيار الشخصيات الوطنية الملائمة لهذا الموقع، الذي تتجسد فيه قيم الإخلاص ونظافة اليد والشفافية وحب الفن والحياة المتطورة، والتعاطي السليم مع كل المسائل المطروحة.
وارتباطا بذلك يبرز السؤال: متى ستشكل اللجنة التحضيرية للانتخابات المقبلة، والتي يفترض ان يتم تكوينها قبل 3 أشهر من انتهاء الدورة الانتخابية الحالية، لأجل ان تجري الانتخابات بصورة سلسة في المحافظات والمركز العام؟
كذلك ارتباطا بهذا كله تبرز قضايا عدة، منها عدد الأعضاء الجدد في النقابة الذين لا يملكون الأهلية كأعضاء، نظرا لعدم استيفائهم الشروط المطلوبة، فبعضهم ما زالوا طلبة في معهد الفنون الجميلة، أو هم أصلاً ليسوا ضمن الحقول الفنية التي تنضوي تحت خيمة النقابة. فضلاً عما أشرنا اليه من انعدام الشفافية بخصوص موارد صندوق النقابة، التي تردها مبالغ هائلة من الحكومة والمؤسسات الأُخرى الحكومية والأهلية، من دون ان يصل شيء منها الى الفنان على مستوى المنافع الاجتماعية والصحية. هذا الفنان الذي يموت على حسابه الشخصي وتكتفي ادارة النقابة بباقة ورد له في نهاية حياته، أو بحضور مجلس الفاتحة. وقد يحدث ان يُشمل قسم منهم بالرعاية الصحية او التكافل الاجتماعي، ولكن وللأسف حسب المزاج والمحسوبية والمنسوبية والموالاة لأعلى الهرم.
كذلك يحدث ان يُقدم عون معين لاستكمال تنفيذ عمل مسرحي او سينمائي، من الأموال التي تم خصصتها رئاسة الحكومة لدعم الدراما والسينما والتشكيل. وفي هذا الخصوص تثار أسئلة كثيرة حول إنفاق هذه الأموال ذاتها وطريقة صرفها وانعدام الشفافية بشأنها.
ومعلوم أن أغلب الفنانين المهتمين بواقع نقابتهم لديهم تحفظاتهم الخاصة وسجلاتهم التي تناقش موضوعات عدة، تظهر أحياناً في مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية الأُخرى. ووصل الأمر حد مطالبة الأعضاء من بعض التخصصات بالانفصال عن النقابة الأم، وتشكيل نقابات خاصة بهم مثلما يحدث في مصر ولبنان وسوريا وتونس وغيرها. ولا ننسى مطالبات الموسيقيين قبل سنة من الآن بإقامة نقابة لهم، وهي دعوة ما زالت قائمة حتى اللحظة. وتبعتها مطالبة السينمائيين بالانفصال أيضاً في نقابة أو اتحاد، لشعورهم بالغبن وهيمنة البعض القليل على مواردهم، مقابل عدم تحسن أداء النقابة وعدم سعيها لتأمين الجوانب الشخصية المتمثلة بما له علاقة بالصحة والسفر، وقانون تقاعد الفنانين غير العاملين وكبار السن، وغيرها من الامور الهامة.
وبجانب كل هذه التساؤلات يبرز السؤال الأهم المتعلق بالمهام القادمة للنقابة في دورتها الجديدة، أم ان الامور ستبقى على ما هي عليه اليوم؟ وهذا يستدعي استحضار دور النقابات في العمل الوطني، منذ تأسيسها نهاية ستينات القرن الماضي ولحد الآن، بفعل ظروف أملت ضرورة تأسيسها. وارتبط ذلك اولا بتبلور الحركة التشكيلية ونضجها، وحاجتها الى كيان مهني يُنظم عملها ويرعى مصالح الأعضاء ويدافع عن حقوقهم. تضاف الى ذلك المكتسبات التي تحققت لهم بفضل النضال الطويل لشريحتهم الثقافية المهمة، التي استقرت صورة منجزها داخل الضمير الجمعي.
وطبيعي ان ينتظر الفنانون اليوم من النقابة أن تكون نقابة للفنانين حقا وصدقا، وان تتخلص من أية تبعية لأية سلطة حاكمة، وأن يعبّر برنامجها عن واجب خدمة اعضائها الفنانين ومصالحهم المشروعة، والدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية.
ولتكن الدورة الجديدة لنقابة الفنانين وانتخاباتها المقبلة ميدانا لتنافس البرامج المتنوعة، على طريق تحقيق الواجب النبيل المذكور، وإعلاء شأن الفن والفنانين والثقافة والمثقفين في عراق يرفل بالحرية والكرامة والعدالة.
مختصة العمل الثقافي المركزية
للحزب الشيوعي العراقي
3 أيلول 2024