اخر الاخبار

قرأت كثيرا للكاتب والروائي اللبناني حنا مينه وتذوقت طعم اسلوبه الشيق وسردياته المتميزة والمتلاحقة مثل (المصابيح الزرق والشراع والعاصفة والثلج يأتي من النافذة وبقايا صور وحكاية بحار وغيرها) لكنني توقفت عند روايته الأخيرة(عاهرة ونصف مجنون) الصادرة عن دار الآداب والتي تحدث فيها وبكل صراحة عن الفقر وتأثيراته على المجتمع والعائلة الواحدة.. خاصة تلك العوائل التي تعيش في غرفة واحدة تضم الآباء مع الأبناء بحيث يشعر الأبناء بالأسى وتطرق اسماعهم أنفاس أمهاتهم وآبائهم ، حيث يشعرون بالضيق والحرج. (وكانت البنت لورنس تسمع ما يجري بشكل مبهم والى بعض الكلمات المعروفة بأسمائها، تحبس قدر المستطاع، تتعذب تحب امها، تكره والدها، تريد أن يموت، وأن يكف عن النوم مع امها ولا تعرف سبب هذه الشتائم البذيئة المتبادلة، لا تعير اهتماما لضيق الغرفة، لنوم أخيها أو اختيها، تفضل النوم في السرير إلى جانب امها، وعندما تنتهي (المعركة) بين والديها، تضع يدها أسفل بطنها، تحس على نحو ما، أن هذه النقطة، هي التي كان يجري فيها أمر غريب)...كان هذا شعور البنت لورنس شعلول الطفلة التي كانت تتألم لما يجري بين والديها ستحمل ذكرى هذا الذي كان يجري في مراهقتها وصباها، ونضج أنوثتها، وتجد أن العدوانية، مدفوعة بالنشوة الجنسية، تكف عن أن تكون عدوانية، وانها هي لورانس شعلول من حقها وبأندفاع اني أن توغل في طلب اللذات مع رجل وآخر، بالزواج وغيره، وأن يصبح حقاً مكتسباً، مثلما كان لوالدتها في صباها. متعة الجسد تؤدي للتناسل كقانون طبيعي ما دامت المرأة من ضلع الرجل لتكون لعبته وشريكته في الكفاح على الأرض، بعد هبوط آدم وحواء من السماء، أثر تذوق التفاحة الأولى...

أراد حنا مينه في روايته (عاهرة ونصف مجنون) أن يقر بأن الفقر يولد الكثير من المشكلات بين الأسرة الواحدة ويتبين ذلك على سلوك كل فرد من افرادها ويتضح ذلك جليا من خلال شعور بطلة الرواية بأنها كانت ضحية لتصرفات والديها وممارستهم للجنس على مرآى ومسمع أولادهم إذ يعيشون جميعهم في غرفة واحدة وهذا هو حال أكثر الأسر الفقيرة.. وفي الأمثال أن البرد سبب كل علة، هذا صحيح إلى حد ما، إلا أن الأصح هو الفقر فالاغنياء لا يرتجفون من برد الشتاء ولا يكتوون بالحر صيفا، انهم يملكون المال، مادام المال موجودا فالانتصار على القر والحر من البديهيات، إننا في الزمن الرديء، والانسان السلبي نتاج تاريخ اجتماعي قلق وغير مستقر. الى جانب الوهم والحقيقة ومتعة الأحلام التي تظل هواجس الناس تتأرجح بين حجم المعاناة وحجم الأمنيات التي أراد لها حنا مينه أن تكون هي المحور الرئيسي والمهم في روايته هذه.

عرض مقالات: