اخر الاخبار

يسعى الكاتب جمال العتابي الى تشكيل نص ، يعنى بمفردات التاريخ السياسي في العراق ، ان مساهمته عبر كتابة رواية ، تعنى بتلك التفاصيل التي شهدناها من قبل ، وعانى في ظلمها العديد من العراقيين فاعلين في دعم المشهد السياسي ، وقد تكفلت الرواية العراقية الحديثة ، تطويع هذا التاريخ ليصبح موضوعها الاثير .

قدم لنا الاستاذ جمال عبر روايته “منازل العطراني”، شخصية سياسية مطاردة من قبل سلطة النظام السابق ، انه محمد الخلف الذي فرَ من سجنه ليلتحق بتظاهرة سياسية ، تتلاءم مع افكاره السياسية ونزعته اليسارية ، وبعد هروبه من سجنه يظل تائها ومتخفيا ، وسط القرى والمدن والقصبات التي يعرف ناسها واهلها ، والعطراني واحدة من تلك القرى والمدن ، التي لجأ اليها بطل روايتنا هذه ، وهو ليس غريبا عنها لذا نجده يحاول الا يظهر للعين المتلصصة او التي تثير حفيظته خشية من عودته الى السجن ثانية ، وهو يعلم كيف يتعامل معه رجال الامن والبوليس السري المتفشي في جسد الدولة  والوطن الذي ما استراح شعبه في اي موسم من مواسم السياسة : (( لا تقلق لدي هذا الشعور كذلك ، مثلما ترى في وجهي علامات التعب ، فانا ارى الموت يجثم فوقنا ، هذه البلاد ما استراحت بأعوامها ، المياه معمدة  بالدماء طوال التاريخ ، المدن خاوية لا تستر عريها الأسمال .)) الرواية ـــ ص34 ـــ . ومع ان البعد عن العائلة هو  الذي يتحكم بمصير البطل محمد الا اننا نجده يقرر صيغة مغايرة لمنطق الحياة الكابوسي الذي تعيشه البلاد ، وتفاؤله ينبع من تلك الفلسفة التي تدعو الى النضال من اجل دحر الظلم ورفع مقام العدالة والحقيقة ، رغم الهم الكبير الذي هو فيه . ومحمد مناضل يعي ما الت اليه الحال ، مع  ان احد اصدقائه واسمه صالح هو الذي ينقذه من العسس ، او العودة الى السجن ثانية ، لكنه يعلم انه هو وحده المسؤول ، عن اتباع طريق النضال وهو طريق شائك ، وقد هربه من التظاهرة الى قرى الناصرية ليمضي هناك اياما ، قبل ان يعمل على الوصول الى مبتغاه وهو الوصول العائلة ، التي يفتقدها كل ساعة وليس كل يوم ،  وبطلنا متمرس في خط نضاله رغم ما تعترية من حالات ، سوداوية وكأبة تداهمه بين حين واخر ، واسئلة مباغته الا انه مقتنع بما يعانيه ، في هربه من جلاديه ، ويبدو ان المؤلف  جمال العتابي وضع في خطته ان يكتب تاريخ العراق السياسي ، والذي هو تاريخ الحزب الشيوعي ، فقد وردت الكثير من الحكايات والمشاهد التي تنتصر الى اليسار في العراق بل انتصارها للانسان في العراق الذي عانى الامرين من سجون واعتقالات الى شظف العيش والفقر والعوز الدائميين : (( لابد ان تمر العاصفة ، من طبع الانسان ان لا يستسلم هناك ارادة صلبة في المقاومة حتى النهاية ، بيد انه في لحظات كثيرة يشعر انه بلغ النهاية ، لم يعد بامكانه يصمد اكثر )) ـــ الرواية ص 55 ـــ . تلك هي القاعدة الفكرية التي يتعلم منها المناضل في مدرسة نضاله (( لابد ان تمر العاصفة )) هكذا يردد محمد الخلف بطل  رواية منازل العطراني حتى لما تنكسر مقاومته لا يتخلى بصورة نهائية عن حلمه الذي تجسد خارج قناعته في انتفاضة الجنوب ، انتفاضة الاهوار بقيادة الشهيد البطل خالد احمد زكي ، لكن الانتفاضة تتطلب ضحايا لكي تخلد وتبقى للاجيال القادمة ، لقد دفع بطل روايتنا هذه ثمنا باهظاً لها  وهو استشهاد شقيقه خيون  ، الاخ العزيز للبطل الذي يحاول الوصول الى بغداد حيث بيته واسرته .

تظل الاسئلة تلاحق محمد اينما حل او رحل ولعل اهم سؤال وجه له ، جاء من سليم صديقه ورفيقه الذي وقف له ايام المحنة ، يسأل سليم السؤال المهم والمؤثر في حياة بطل روايتنا : ـــ ((لكي لا نهدر الوقت اسألك سؤالا محددا ، هل لديك القناعة بالعودة الى جماعتك ؟ ويمنحه سليم مهلة ثلاثة ايام ، لكي يعطيه الاجابة ، لكن يبدو ان البطل هنا قد حسم امره من ايام مضت ، اذ يجيبه بقوله : (( لم اعد اصلح للجماعة  ، اعتادت روحي على الانكماش ، انه الخوف في اعماقي لا اعني به نقيض الشجاعة ، انما بدأت ازاوله  عن قناعة .  الرواية : ــــ   ص 206 وص 207))  . غير اننا نجد في هذه الصفحات من الرواية من اجمل الصفحات لغةً ومرونة ً وشحنات عاطفية تتساوق مع الألم.  الرواية هنا باستطاعتها ان تكون من الروايات التي تهتم بالحقبة التاريخية اذ تعرضت الى حشد كبير من الاحداث والاشخاص الذين ساهموا في صناعة تاريخ العراق السياسي ، وهو تاريخ مكتظ بالمرارات والنكسات وخشيتنا على من ساهم في صناعة هذا التاريخ من مناضلين شرفاء يعرف الروائي المزيد منهم وعنهم اذ  هو سليل ذلك الحشد المناضل من اجل العدالة والحرية والحياة الحرة الكريمة. خشيتنا على ذلك الرهط المكافح والمناضل: ان ينساهم التاريخ وهم صانعوه الجديرون بحيازته.

عرض مقالات: