اخر الاخبار

 عندما كنتُ طفلاً استيقظتُ مرّةً فجراً مع أمي وأبي. اتذكر قوري الشاي على المنقلة او احيانا على المدفأة اذا توفر النفط. وعندما يغلي الشاي تصب أمي لأبي وتصب لمن استيقظ منّا نحن الأطفال شاياً خفيفاً جداً كنّا نسميه چاي العروس. ويتناول أبي فطوره وأنا أنظر إليه. ثم ينهض مسرعا وكان قد ارتدى بدلةً عماليةً زرقاء تتكون من قطعة واحدة يضع فيها ساقيه اولاً ثم يرميها على ظهره واحيانا تساعده أمي فيضع يديه فيها فيلبسها وبعدها يدخل الأزرار بسرعة في أماكنها ويرتدي حذاءً مطاطاً، ثم يغادر الغرفة وانا معه حتى الباب. وعند ألباب أسأله سؤالي اليومي: بابا وين رايح ؟ ليقول لي: حبيبي على باب الله. فيخرج وأخرج مع أمي نقف عند الباب نتابع سيره من الزقاق حتى الشارع ثم يسرع قليلاً ليصعد سيارة اجرة ستيشن وبعدها تتحرك وقبل ان تختفي ينظر الينا ويؤشر بيده مرتين مرة للوداع ومرة ان ادخلوا الى البيت.

تدفعني أمي أمامها وندخل ثم أصعد على سرير ابي لأنام قرب والدتي وفي أذني ترن عبارة أبي : “على باب الله”. تغطيني أمي فاسحب البطانية كي اخفي رأسي وأروح في رحلة افكر في باب الله. يا ترى كم هو كبير هذا الباب الحديدي او الخشبي؟ أكيد من خشب مثل باب بيت جدتي. باب كبير عالٍ جداً وقديم جداً. مرصع بالحديد. ومن بين احدى الرصعات تدلت حديدة مستديرة صنعت لمن يتمكن من الوصول اليها من الكبار ليطرق الباب. سيصل أبي الى باب الله. سيطرقه بهذه الحديدة كالتي على باب بيت جدتي. من سيفتح له الباب؟ كنت أسمع ان هناك ملائكةً عندهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع. سيفتح احدهم الباب. او سيطير ويعبر الباب ويأخذ بأبي بين أجنحته فينقله عبر الباب الى الداخل. وقبل الهبوط قد يأخذه في جولة من فوق النخيل والانهار الصغيرة. وقد يمر به من فوق القلعة العالية التي طالما حدثنا عنها أبي وكيف أن الباشا يسكن فيها مع عائلته وأطفاله يلعبون هناك. ثم يعود ليهبط بأبي إلى مكان العمل.

يندفع أبي مسرعاً. كانت هناك بساتين وأنهار صغيرة وعلى أحدها ماطور متوسط الحجم. اقترب منه أبي. أزال غطاء المحرك. سحب أنبوباً معينا من بطن المحرك. نظر اليه. مسحه بقطعة قماش قديمة موجودة لفحص الدهن قبل التشغيل. ثم نظر لا أدري أين. فرفع رأسه ونزل ثم استدار نحو النهر وبيده دورق ، ملأه بالماء وعاد به الى الماطور وراح يصب الماء فيه بحذر وهدوء. بعد قليل أعاد غطاء المحرك الى مكانه وأمسك بحبل يتدلى من جانب الماطور وسحبه بقوة فاشتغل المحرك فصاح الحارس الذي يقف وراء ابي يراقبه “صلوات على محمد”. ثم راح الماء يندفع من النهر الى الانهر الصغيرة ، المنتشرة في بطن المزرعة الكبيرة،  مرورا بالماطور فيتوزع على سواقٍ صغيرة عديدة وينتشر منها إلى كل البساتين بعد عبوره المزرعة. يا ترى هل هذه هي الجنّة وهل سيلتقي أبي فيها  بجدّي ؟ أقترب الحارس من أبي ربت على كتفه قائلاً يا بطل! يا بطل ! لم يلتفت أبي. ربت مرة ثانية وثالثة ورابعة. الى ان راح يصرخ. ومع صراخ الحارس قفزتُ من النوم وإذا بأمي تطبطب على رأسي لتوقظني إنهض بعد شوية لازم تروح للمدرسة.  ماما ما أروح للمدرسة. أروح على باب الله. قالت امي : من تكبر عود روح على باب الله. انهض.

عرض مقالات: