اخر الاخبار

مر الكوكب في زمن لا يتناسب مع  زمن البرابرة ، فهو يتعامل مع الجمال ووضوح الموقف السياسي والاجتماعي  في الحياة . مر الكوكب لكنهم لم يستطيعوا سرقة  زمنه لأنه يمتلك لغة الملائكة ، أنها تلك الأغنية التي كانت تضج في أمسيات العراقيين . مر الكوكب ليقلقهم فمنعوا العراقيين من سماعها ، لكنها لغة الكوكب تهمس في الروح  وتتواصل  سراً مع مبدعيه بحيث فتتحول إلى منشورسري لأنه  مر في سماء العراق  فأنار فجراً يستشعره العراقي فتتفتح روحه في صباح آمن ندي.

وهنا يكمن تفرد كوكب حمزه  في غنى روحه الموسيقية، عن طريق  تنوع  التراث الغنائي في مدن الجنوب العراقي ، مدن الأساطير والتعاويذ والسحر ، مدن مازالت عبقة برائحة الأهوار وأخرى بمسك مراقدها المقدسة. مدن على امتداد شواطئها  نسمع حنين صوت داخل حسن  ، وبين سعف نخيلها وضياع  المشاحيف  وتوهانها في غابات  القصب والبردي تنقل الريح ذلك الأنين الأبدي  لسلمان المنكوب كأنه صدى لحشرجات صوت  الإله العراقي  المذبوح  “تموز البابلي” . 

كل هذا أثر على الفنان فضلاً عن  أغاني الخشابة والتراث البصري المتوزع بين الإيقاع الأفريقي العنيف والرقص الهندي السريع،  وغناء بحارة السفن المحملة والعابرة  يم المحيطات المجهولة  و الإيقاع السريع لموسيقى الهيوه الراقصة.  وقد كانت مهمة فنية شاقة تقع على كوكب حمزه وزملائه الفنانين الذين أعادوا صياغة الإغنية السبعينية  وجعلوها عراقية التقبل والإستيعاب تؤثر في المدينة الحضرية قبل غيرها.

لم يقتصر تأثير الحان كوكب حمزة في وطنه وحسب وانما إمتد إلى خارجه لأن اي مستمع لأغانيه يكتشف بعداً سمفونياً  ومفردةً موسيقيةً خاصة  مشحونة المشاعر والأحاسيس كما هو الحال مع أغاني الراي المغاربية، والموسيقى والغناء اليوناني، وأغاني الغجر العالمية، والفلامنكو الأسباني ، وموسيقى الزنوج،   وهذا واضح في تنوع الإيقاع والغنى الروحي لأغانيه التي تعمقت أيضاً نتيجة لتأثرها بالتراث العاشورائي .

ولأن كوكب حمزة امتلك  موقفا من الحياة عبر عنه في أغانيه  الشعبية المثيرة للجدل لهذا فإنه شعر بغربة مضاعفة وهو في وطنه .هل ضيعه العراق أم نحن الذين ضيعناه  ام هو الذي أضاعنا ؟

لكني أراه الآن كحلم تراءى لي في البعيد ،حلم لا يتكرر، لكنه لن يُنسى أبداً . ها أنت في الذاكرة  يا كوكب كانسان وضع حياته على راحة يده مفتوناً بموسيقاه الحلمية ، ها انت ذلك النبيل والخجول  والدائم التواضع الذي كنت تحرجنا جميعنا بنبلك وتواضعك ، يا كوكب ها انا أراك:

كما في ازمنة الحلم أو الغياب

تتلألأ بنجومٍ تفتنك بسريتها.

النار أصل الوجود حالما تسكن البيت ،

كل  رؤيا نار ولا شئ أكثر توهجا من  بريق الفردوس .

 النار أصل الوجود ،تتوهج  لمجئ شعراء

يغنون مع  الريح  ولا شئ  آخر

لاشئ ياكوكب ، 

والأرض كابوس آدم وأنتَ من أوحى بالنبوءة.

 هناك فوق  أسوار بغداد صُلب المغني  كقديس غريب

إنتظرتْ نخلة سامقة وعلى ضفاف نهر آبد

أن يمرَ الموكب

إكليل الصفصاف على الجبين ، وهمس أُغنية مع الريح:

دعني أتمُ نشيدي قبل  حلمي  الأخير.

الغابات والبحار في عهدتك،

هناك سَتَسمّع موسيقى كونية فتمنح الأشياء شكلها ،

الكلام معناه ، الليل لغته ، القمر والنجوم أيضا.

تُخبئ مفاتيح الوجود في قبضة قلبك ،

لا ينفع البرابرة.  وما خلفته في الصحراء

ياكوكب أنت غنيت وأنت من أوحى بالنبوءة .

عرض مقالات: