كانوا أكبر عمرا من أغلب الناس حين تعلموا العواء. أغلب الناس، من أغلب الأجيال، في أغلب أمم العالم، يتعلمون أن يعووا في الصِغَر. بعضهم يولدون يعوون، وآخرون يتعلمونه عندما يتعلمون لغتهم الأم. يأتي العواء مع المنطقة كما يقولون. لكن هؤلاء الناس، الأشخاص الذين نتكلم عنهم، المولودين في الولايات المتحدة في زمن معين، لم يتعلموا العواء. قال أصدقاؤهم في الخارج :” ما هذا الذي تقصدونه؟ هذا الحديث عن أنكم لم تتعلموا العواء بعد؟ ما هذا، هل أنتم كنديون؟”.

لكي تعوي، افتح فمك. شنّج بطنك، كما تفعل قبل التجشؤ، أو قبل التقيؤ. كوِّن كلمة الآن، آلاف الكلمات، ولكن لا تلفظ أيا منها. قد تحاول بدلا من الكلمات، أن تكوّن صوتا. الصوت تجميع لثلاثة أصوات، وكل منها يمثل ثلث عوائك.

أولا: يوجد صوت صارخ كما قد تفعل إذا اصطدم رأسك في الحافة السفلية لباب خزانة مطبخ مفتوح. صوت مفاجئ، عال، غاضب. يعبر عن حماقة الألم.

ثانيا: توجد خاصية أنين. تخيل أنك لم تنم لأيام عديدة، وبعد تلك الأيام العديدة، جرى لكمك في البطن، ثم طُلب منك أن تركض الى ما بعد التلة ذهابا وإيابا. حين تعود تُلكم على عظم الصدر. ترجو الرحمة. يضحكون ويقتلون كلبك. يكسرون الأشياء التي تهتم بها. هذا هو الأنين التي تحتفظ به في الذاكرة. هذا هو الإنهاك.

ثالثا: العنصر الثالث في عوائك هو العويل. العويل هو عويل العجز. العويل هو صدمة في الوجه لرعب طبيعي. انزلاق أرضي. تهور. وحشية. سيل. مناجل قطع قصب تعمل معا. هذا القسم من عوائك يعني أنك لم تعتقد أنك يمكن أن تكون متفاجئا أو مقهورا ولكن ثبت أنك على خطأ. لم تعتقد، بعد أن رأيت عشرة آلاف أو نحو ذلك من أحداث القتل في التلفزيون، وبعد أن قرأت الكثير جدا من التأريخ، بأن أي شيء يمكن أن يصيبك. ولكن ثبت أنك مخطئ. لم ترد أن يثبت أنك مخطئ.

عندما تجمع هذه الأشياء الثلاثة، الصرخة والأنين والعويل، وتكثفها الى انفجار حاد ينبثق من كبدك وينقذف من جسدك عن طريق ست أو سبع منافذ في وقت واحد، تكون عندها قد عويت. لا يمكن للعواء أن يمارس بالرغبة أو يُفرض، بل يأتي عندما يستثار. إن العواء فعال، يقول من الكلام قدرا عظيما بقدر عظيم من الإقتصاد. الكلمات والأسئلة والبيانات التي احتواها عواء سريع واحد: اللعنة! هراء! كيف تمكنتم؟ كيف تفعل أيديكم هكذا أشياء؟ لن أصدق. توقفوا فورا. رجاء توقفوا الآن. آه يا إلهي. آه يا إلهي. آه يا إلهي. ملاعين! حيوانات! ذلك الرجل المسكين. تلك النسوة المسكينات. أنظروا الى ذراعيها! أنظروا الى وجهه! لا يمكنني التصديق. لن أصدق. أولئك السفلة. أولاد العاهرات السفلة. هذا ليس هو ما يجب أن يكون . لا شيء يجب أن يكون مطلقا مثل هذا. اللعنة على هذا كله. انسحب. كلا، سأقاتل. كلا، سأكف. كلا، سأقاتل.

ولكن بالنسبة الى أميركيين من عمر معين لم يبدر منهم عواء إلا مؤخرا. كان يوجد الكثير من هذه الكلمات قيلت، والأحاسيس أُحسّت، والأسئلة سؤلت، ولكنها لم تكن مركزة بما يكفي، لأنه يجب أن يكون هناك انقضاض ساحق من المحفزات، تدريجية ثم تبلغ الذروة فجأة، لتصبح عواء. لقد عوى أهلهم، أغلبهم، وبالتأكيد أجدادهم. لكنهم لم يعووا، ما جعلهم أقوى وأقل قوة، في وقت واحد. أولئك الذين عووا أزيلت أرضيتهم منهم، انهارت الأرضية وانحدر العاوون الى ما بين 300 و1500 قدم، في الأسفل في مهوى ضيق، وعلى العاوي أو العاوية أن يقطعا هذه المسافة عائدين، الى النور.

يمكن أن يُعوى العواء في الأيام الصحو. يمكن أن يعوى العواء في كل فصل. في أي مكان. عوى الناس في سراييفو الجميلة. عوى الناس على الشواطئ البيض كالسكر في هاييتي. مع ذلك فالعواء يمكن أن يعوى أيضا، غالبا جدا ما يعوى، بعيدا جدا عن مصدره. صرح جون لندكرن من منطقة بتسفيلد في ماسوشيتس بأنه يعوي فيما هو جالس في المدرج المكشوف لملعب هوكي ابنة أخته، وقد قال الرجل الذي الى جانبه :” هل تصدق ما حدث؟”، وحين سمع جون ما حدث، عوى. صرحت آبي بيتيرسون من كليفسايد في إيداهو بأنها عوت فيما هي تضفر شعر ابنتها وهما تشاهدان الأخبار. كانت تمسد على جدائل ابنتها الناعمة بلون الصدأ عندما شاهدت شيئا في التلفزيون وعوت ويداها على رأس ابنتها. تتذكر شيناكا هوج من أوكلاند بأنها كانت موجودة في المكتبة جالسة أمام حاسوب أبيض والسجادة تحتها هادئة اللون وزرقاء. كان على الشاشة حين جلست فيلم قصير، وقد تفرجت عليه على الرغم من معرفتها بأنها يجب أن لا تتفرج عليه، وعوت. سقطت الى الأسفل 720 قدما، وهي الآن، منذ عدة أشهر، لا زالت تشق طريقها عائدة الى السطح.

 كان هناك بعض الأمل بأن أولئك الناس لن يعرفوا أبدا الصوت الذي نتحدث عنه، بأنهم سيشقون طريقهم في حياتهم من دون عواء. لكنهم الآن وملايين آخرين، أميركيين في سن معينة، قد ساروا في درب أهلهم وأجدادهم ، ومليارات قبلهم. لقد تعلموا الآن العواء. لا يمكنهم نسيان إحساسهم به، إنه يحرق، يحرق، عندما يخرج الصوت منهم. لكنهم يستطيعون أن يحاولوا مساعدة أولئك الذين لم يعووا بعد أن يعيشوا حياة حرة من العواء. هذا ما نريده. هذا كل ما نستطيع فعله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر

How we are hungry, WHEN THEY LEARNED  YELP, dave eggers

*ولد في بوسطن بالولايات المتحدة سنة 1970، قاص وروائي وكاتب سيناريو وصحافي.