اخر الاخبار

 

اكتشفت في العام المنصرم عالما سرديا متفردا بذاته، توقفت أتأمله متفحصة ودارسة لأنه راق ذائقتي التي تميل الي السرد المختلف، ولا يقلد نهج الآخر، السرد الذي يشق طريقه ليصنع بصمته الخاصة به حين يتفرد بمنجزه..لأتذكر العبارة التي أحبها لأندريه جيد: (ما كان في وسع غيرك أن يكتبه لا تكتبه، وانما تعلق في ذاتك بالعنصر الفريد الذي لا يتوفر لأحد غيرك).

ومن الصعب اليوم أن نجد سردا مختلفا، كأن كل شيء قد تم قوله قبلنا وتعددت الأساليب ووصلت الى نهايتها فليس هناك ما يضاف، لكن الكاتب المغربي أنيس الرافعي منحني جرعة أمل بأن قافلة الابداع الانساني  تتواصل وأن المبدع الحقيقي يصنع تفرده الخاص ويضع بصمته ولن يكون ذلك الطريق سهلا كما يتعجل بعض الكتاب اليوم، بالتأكيد خلف هذا التفرد اجتهاد كبير، ومواظبة وجدية للوصول الى الجمال المختلف..

منحتني نصوصه، الشعور بأني أمام خياط للكلمات يخيط ثوب النص بجمالية ساحرة، فتارة يستخدم غرزة السراجة فيربط بها الكلمات  وتارة غرزة السلسة تكون فيها كلمته مستديرة، وتارة أخرى يجمع الغرزتين معا ليخلق غرزته الخاصة التي تصعب على غيره تقليدها، فالنصوص السردية للرافعي المغربي تحمل خلفها ظلالا وعليك أنت َ كقارئ أن تراقب حركات تلك الظلال وتماسها في مخيلتك لأنها تمثل صورة خلفية للمتن، انه يمنحك جرعات مركزة وكبيرة من الجمال تشعرك بالثمالة فتضطر للتوقف للتأمل وقد تعيد السطر او الصفحة كاملة وربما كل القصة مفتشا عن تلك الظلال، وأحيانا ينزل سرده على رأسك كالمطرقة التي يعجبك ايقاعها في الطرق وفي الألم اللذيذ أيضا..ومن الصعب وضع نماذج أمامكم لأن كل سطر مرتبط بما خلفه وبعده والمساحة هنا لن تكفي، الجمال في نصه هو بالشكل النهائي للثوب السردي الذي يخيطه بأناقة متذوق لمعنى الكلمة وبلاغتها وعمقها..

لن أقول هو بنظري بمثابة محمد خضير المغرب لأنه ليس سوى الرافعي المغربي

ولن أقول أن في ثنايا نصه متاهات بورخيس لأنها متاهاته الخاصة المختلفة..

ولن أقول أنه يلعب بخفة على الواقعية السحرية لماركيز لأنها واقعيته  وحده..

ولن أقول انه يذكرني بتفرد جمعة اللامي بنصوصه الصوفية والسردية لأنها تفرد الرافعي وحده .

ليس من السهل سبر عوالمه السردية، فهي لمحترف القراءة وتمتاز بكثرة التجريب لذا  لن تمنحك نفسها بسهولة،  لكن هذا النوع من السرد الذي يجعلني أتردد بقلب الصفحة وأنا أطارد تلك الظلال خلف السطور فلا أراها الا اذا أغمضت عيناي هذا النوع من السرد بمثابة تحدي ممتع في القراءة، خصوصا وهو يستخدم الرسم والأسطورة والأيقونات  كما أنه يمتاز بمتانة اللغة وجمال السبك في العبارة، وهذه اللغة تساعده لخياطة الثوب السردي بأناقة وذوق رفيع،  كما انها تمتاز بالعمق الفكري والفلسفي دائما، شخصيا لا أعيد قراءة إلا دوستويفسكي أحيانا، ولكنني وضعت كتاب الرافعي قربي في محاولة مني للتمتع باصطياد تلك الظلال، الغريب والجميل كل مرة أصطاد ظلا مختلفا، واكتشف نوعا جديدا من غرزات الخياطة لديه، لأترك نصه وأظلّ أفكر بتقنيّاته الخاصة فأتعلم من مدرسته في خياطة الكلمات واللعب بالأسطورة.

عرض مقالات: