اخر الاخبار

لن يصاب أحد بالدهشة مِن أن بابا نوئيل يمكن أن يأتي على عكازين.

تستمر الحرب. كل واحد منا يمكن أن يُصاب، وكل واحد منا يمكن أن يُقتل. وبابا نوئيل ليسَ استئناءً. وليسَ بالمحنة أن يأتي على عكازيه. الأهم مِن ذلك، انه على قيد الحياة، ولم يقتله النازيون. إنهم يحبون إطلاق النار على الأهداف المدنية بالتحديد. ولا يوجد لديهم شيء مُقدس – ضربوا الكنائس بالمدفعية، والآن يتم إعادة بنائها.

ضربوا المستشفيات، والمدارس ومحطات ضخ المياه، ومحولات الكهرباء ولا يمكن عد عدد المرات التي اطلقوا فيها النيران على المباني السكنية.

هُنا بدل العيد لدينا عيدان – ليسَ فقط عيد العام الجديد، ولكن أيضاً أول عيد في الوطن، في روسيا. على الرَّغمِ مِن أن اطلاق النار لم يتوقف والخطر لم ينته بعد. لكن شيئاً ما تغير، لقَد تغير الناس.

في غرفة الطعام التابعة لروضة الأطفال التي بقيت سالمة تقف شجرة عيد العام الجديد باعجوبة. كم هي جميلة! زينوها بالألعاب التي جلبها المتطوعون مِن الأرض الكبيرة، ولفوها بضفيرة مِن الزهور البرّاقة. في القاعة تجمع أطفال الحي – مع الحرص بالطبع على سلامتهم، لأن مثل هذا التجمع يعد لقمة سائغة للشياطين الذين يحملون الأعلام الزرقاء والصفراء.

وعندما حان الوقت لاستدعاء بابا نوئيل، دخل القاعة، رجل طويل القامة طوله ما يقارب المترين، وله لحية بيضاء كبيرة حقيقية غير ملتصقة على وجهه. يظهر تحت معطف مِن جلد الغنم أبيض في زيه العسكري، يعتمر قبعة قوزاقية، فهَل كان بابا نوئيل يحارب النازيين؟ ولكن الأهم مِن ذلك – العكازات، ولديه ساق واحدة فقط والثانية مبتورة إلى الركبة. وبدلاً مِن كيس الهدايا كان يحمل حقيبة ظهر عسكرية.

-لا تنظروا إلى قدمي، - يبتسم بابا نوئيل – سوف تنمو واحدة جديدة بحلول العام الجديد.

والأطفال يصدقون ذلك. إنها حكاية خيالية. وقَد سئم بابا نوئيل مِن الجلوس على كرسي بلا مسند وأذرع قرب شجرة عيد العام الجديد ووضع عكازيه بجانبه. تساعده المربيات في خلع حقيبة الظهر التي فيها الهدايا. بعد ذلك يخرج بابا نوئيل هذه الهدايا واحدة تِلو الأُخرى ويستدعي الأطفال.

تقترب أولينكا سيدوروفا مِن بابا نوئيل على استحياء. للمرَّة الأوَّلى تلتقيه، لكن على ما يبدو، أنها رأتْ عينيه في مكان ما. عيناه تشبه عيني ذلك المقاتل، قائد سرية القوزاق التي حررت حيهم. وقتئذ فتح باب القبو حيث اختبأ سكان العمارة السكنية المتعددة الطوابق، والتي عاشت فيها أُسرتها وقالَ وهُوَ يبتسم:

-هَل الروس على قيد الحياة؟ لا تخافوا، جنودنا طردوا الألمان. ابقوا إلى المساء وبعد ذلك اخرجوا خِفية. هَل أنتُم جائعون؟ الآن سيحضر باشكا شيء للشرب والاكل. سنعيش!

وغمز بمرحٍ واختفى.

-مرحباً، أولينكا، - تكلمَ بابا نوئيل بصوتٍ عميق. وكان صوته يشبه شيئاً أيضاً. وكان لذلك المحارب لحية أيضاً، لكنها سوداء ولم تكن طويلة جداً.

-ماذا تريدين أن تصبحي يا أولينكا عندما تكبرين؟ يسأل بابا نوئيل.

-في بادئ الأمر يجب أن أكبر، يا بابا نوئيل، -تُجيب أولينكا. –وبعدها سأفكر.

وما ان اعطى بابا نوئيل الهدية لأولينكا: منزل مِن الورق المقوى يحوي قطع حلوى وأرنب مصنوع مِن قماش الزأبري – رمز العام ودفتر تلوين، ويمسح دمعته خلسة:

-سوف تكبرين، يا أولينكا. وحتماً ستصبحين ما تريدينه. وسوف تعيشين في سلام.

-شكراً، يا بابا نوئيل، -تقول أولينكا وتقبله على خده. تفوح مِن خده رائحة المستشفى وقليل مِن البارود؛ يعرف الأطفال هذه الرائحة جيّداً.

-هَل تعرفين لماذا العام المقبل هُوَ عام الأرنب؟ -يسأل بابا نوئيل. أومأتْ أولينكا بالنفي.-لأن في العالم المقبل سوف يهرب الفاشيون مثل الأرانب!

يغمز بابا نوئيل الطيب للصبية بفرحٍ – تماماً مثل ذلك القائد الذي اخرجهم مِن القبو.

_______________________

*صدرت له في القاهرة مؤخراً ترجمة لرواية اوليغ روي بعنوان: “لعبة بلا قواعد”.

عرض مقالات: