اخر الاخبار

عندما سقط نور الباحة فجأة على السرير احست وكأنه سيف بتار شرخها وتغلغل تاركا جسمها ينضح وكأن عشرات الدلاء قد دلقت فوقه او لكأنها تسير عارية حتى من ثوب (السهارة) والاف العيون تحدق بها في شوارع بغداد في حكاية الرشيد.. أهتز كل جسمها اتفعلينها لهذا الحد يا ----- لكن الهمسة ضاعت وسط ضجيج روحها السليب وكمخالب الغول انغرست اصابع المرأة الاخرى جيدا في ظهره ورفعته بعيدا عنها ثم طرحته على الارضية كهيكل خشبي متداع.

وقام الرجل نصف عار مذعورا حاول ان يستر ذعره ب لا.. لا ولكن العري اظهره مضطربا مأزوما بشكل حاد – ومن فمها انفلت الاندهاش للشيء الذي لايزال راعشا لزجا يلتصق عليه ماؤه كسمكة اخرجت توا من الماء –

ضربة المرأة الاخرى جاءت محكمة التسديد حتى لم تفكر ساعتها في الرد عليها لو كانت خناقة منزلية عادية لما احتاجت فتحية لأن تحتار ولكنها ضربة حادة – حادة هذا السطو المباغت وتاهت في بحار الخجل حتى ولم تنتبه الى تدافع اقدامها على السلم والمراة الاخرى تجره معها الى فوق كان من الممكن لو انصتت حتى يصلها الوعيد واضحا.

لن ادعك لها سأحرمها كل فرصة انت لي لا لهذه العجفاء.

وتعثر صوت الرجل واهنا:

سحر ولكن الليالي كلها امست ملكك.. ما ضر لو منحتها ليلة؟

لمن --- لها؟ لا.. لا..

واندلق السكون –ضجة صغيرة قامت وقعدت من دون ان يحسها النيام، الاطفال في فراشهم وحياة تشخر أيضا.. وهدهدت هزيمتها بهذه الامنيات وحولها حام الليل طويلا مرعبا فارغا بلا اماني ولا انتظار، وانتبهت الى وضعها فاعادت الثوب على فخذيها ثم اعادت وضع السرير –

في الخارج كانت الضفادع والزيزان في البركة القريبة توقع الحانا كسولة تمتصها الظلمة بعد لحظات، صوت ضفدع اصر على ان ينق متميزا يبعث استغاثة.

غمغمت: لاشك انك في حلق افعى الان يحاصرك هذا الليل لا أحد ينجد فالكل يغرق في دفئه – وتاهت حائرة تفكر بلا أمر – سد تغرق به الامواج في كل لطمة مع امالها بالحاج كانت خشبة يأخذها اللوح الى الجزر البيضاء التي تاهت الف مرة ومرة على شواطئها ثم يعيدها الى لجة البحر، ثم خشبة مهملة تنتظر ان يلتقطها يوما:

- لو كنت رجلا مرة؟

- ألسته؟

-لا.. انت لي ولها لست لي ولا لها.

في الخارج نقت الضفادع بضجة فكرت ان الافعى قد فرغت توا من الضفدع –عصرتها بين فكيها وبعد ان امتصت حيويتها ألقت بها لزجة – وما تسمعه من ضجة ليس سوى ان الافعى تتربص بأخريات.

وسجلت أطيار شاردة بصمات زقيقها على جدار الليل الكثيف ومرت لاشك انها تبحث عن الدفء. هناك الى الاحراش البعيدة تتجه وتبقى فتحية تنشد الدفء من فيء مشروخ – هو للاخرى صعدت به الى الطابق الثاني –وكانت ايام وملا اسماعها بالامل – قال انه منها ولها ويوما جاء اعلانه عن عزمه على بناء طابق اخر مفاجأة:

قالت: ولماذا؟ ألا تكفينا غرف البيت؟

قال: انني انشد مظهرا جميلا للبيت.

- أذن لو اصلحت غرفنا الحالية يا حاج –لو اصلحت الاسس التي تقرضها الحفور.

- اصر ان البيت لا يبدو عندها فخما بلا طابق ثان –وساعتها دلقت رجاءها حارا أملة في الاقناع.

- يا ابا حياة الفخامة لا تستديم على اساس قديم.

- زعق بها كان قبل ان يعلق بالاخرى رجلا يمارس فحولته ويوما (انسحبت ) قدماه الى بيت سحر البيت الذي تنز العهر زواياه واكن ان علق عقل الحاج بسحر التي تهب فتحة صدرها لكل قادم.

- “صادت قبلك يا حاج – وعلقت اسماك بصنارتها وعندما فرغت من اكلها رمتها عظاما ---من قبلك ارسلت الكثيرين الى النهر واعادتهم عطاشى.

- بهذا العقل الطفل لن تغلبها يا حاج “

برق الحاج وازبد هو يعرف ان يبرق معها اما مع سحر فارعد وابرق يا حاج فما وعيدك لها بضائر.

وتاه الحاج يوما يلبس العقال ويوما حاسر الراس وقلت له:

يا حاج وضح طريقك بالعقال يوما وبدونه يوما اخر تفقد لونك.

وزعق ساعتها: وما قيمة اللون؟

انت واهم يا حاج اللون يعني الوضوح.

لكن الحاج وضع اصبعه في اذنه زفت سحر له واتخذت لها غرفة في الطابق العلوي (ومنها) راحت تنثر اوامرها امام الاحتدامات صارت يا حاج نعامة ولا من شاف ولا من سمع لا يعنيك سوى ان ترخي رأسك. قال لهم يوما:

ان جسم سحر وسائد واينما يريد يرخي راسه المتعب.

“ أهكذا يا حاج “ الاصيل تنبذه وتنسى الرقيق من ذكراه ليالي بطولها بقيت تنتظر خطواتك وعندها تدلف البيت تتسمعها جيدا وعندما تصل عطفة السلم يتصاعد وجيب اللهفة ماذا لو اخطأت طريق السلم وعدت لطابقك – اتنسى من يطعمك؟

اتنسى فتحية التي تدفع عجلة دارك بصمت –ماذا لو عدت لرجولتك يا حاج وكسرت امرها -- اني اراها الان تفتح لك رداء نومها الازرق الفضفاض جسمها بكل اغراء، ستسكرك الروائح فتنسى رائحتك ولكن لو مررت اصابعك على وجهها سيتساقط ذلك الطلاء، ساعتها يا حاج ستقهقه وتقول لها: وجه لهرجة تحملين.

لم يفعلها الحاج –عصر هذا اليوم وفي غفلة عن الرقيب وقبل ان تحتوي قدميه عطفة السلم لحقت به وكان وعدا فرشت له الدرب مقلتيها.

تسمعت تساقط الندى على اوراق شجرة الخروع في باحة الدار – حطت طيور ثم طارت –ومرت الساعات بطيئة تطحنها بقسوة –أملت وياست عدة مرات وكادت ان تنفض يديها عن اعادة رش البخور في النار لولا ان انسلت قدماه على السلم ورغم الصمت، برزت من احشاء الظلام كوى اضاءت روحها.

وعندما احتوته الغرفة عبق الشوق حارا حتى لكأن الحاج اجرى ترميما لرجولته –

لم تلتفت الى خطواته الوجلة ولا الى تلفته.

ولفته بحضنها وراحت تسمعه –كانت تدرك انه يعيض بعقله معها وعاد الحاج طفلها السابق – مرغ وجهه بين ثدييها وانتشت لو لم يسقط نور الباحة على السرير فتشرخها –

من الغرفة العليا كان الضوء ينزه الستائر الزرق.. الحاج هناك حتما يعتذر لها الان

لقد عشق الغرفة العليا.

“ لم يبق من لياليه لك جزء –رجل جبان ليس شيئا يا فتحية “

الحاج فوق وبقيت يا فتحية انت الارض يدوسها الاخرون ولكنك تملكين ان تقوضي الغرف العليا.

تذكرت فعادت الى الغرفة وعلى اجسامهم الطرية اعادت الاغطية جيدا واضاءتها ابتسامة، هناك كانت حياة تفتح عينيها – شاهد على هزيمة الرجل وعلى الخيبة –

هزت حياة هزة خفيفة لكن حياة ادارت عنها نصف وجه وغمغمت:

قلت عدة مرات اتركيه لم يعد لك.

هزت فتحية راسها مؤيدة وقبلت الام ابنتها بحب رؤوم ثم اولعت فتحية سيكارتها وبقيت ترقب الفجر.

ــــــــــــــــــــــــ

* قصة لم تنشر من قبل للفقيد الراحل 1970

عرض مقالات: