منذ تولى السلطان احمد الجائري مقاليد الحكم في الساعة الثانية ظهراً من شهر تموز عام (1799) بعد قيادته الانقلاب السلمي الذي اطاح بوالده حسين الجائري ، ابتدعت السلطنة مهرجاناً يدعى ( مهرجان الكلاب السنوي) يقام لمدة ثلاثة ايام ، ومع شتى المحاولات التي اقدمت عليها السلطنة ، واجراءاتها الاعلامية على وجه الخصوص لاظهار المهرجان على انه واحد من اهم منجزات ( اللجنة العليا للمهرجانات والاحتفالات ) – هذا هو اسمها الرسمي – الا ان الناس ، حتى البسطاء منها ، تعرف بأن السلطان هو صاحب الفكرة ومبتدعها ، وهو من وضع شروطها وضوابطها ، وإنه يقف وراء ثلاثة مهرجانات اخرى ، أشهرها عيد ميلاده الذي يصادف اليوم الاول من شهر رمضان ، ولم تستطع اجهزة الاعلام برغم مابذلته من جهود ، ايهام الناس بأن الاحتفال هو بمناسبة رمضان وليس بعيد ميلاد السلطان .
لم يكن الشعب ينزعج من مهرجان الكلاب السنوي ما دام يتمتع بعطلة رسمية امدها ثلاثة ايام ، وربما كانت نسبة ليست قليلة منهم مغمورة بالسعادة لأن أي مواطن يُظهر حماسة في اثناء المهرجان ، أو تبدر منه فعاليات مهما كانت بسيطة كالتصفيق او الرقص او الغناء او الهتاف يحظى بتكريم يرتبط بنوع الفعالية وتأثيرها ، وقد يصل التكريم في بعض الحالات الى مبلغ مغرٍ ، ولذلك اصبح عدد الذين يجهزون فعالياتهم ( الفردية او الجماعية) قبل موعد المهرجان، يتضاعف عاماً بعد عام!!
في المهرجان الذي جرت وقائعه في ساحة الاحتفالات المستطيلة بعرض الف متر وطول ثلاثين الف متر- كان ذلك في عام 1823 بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتولي السلطان مقاليد الحكم – كان الكرسي الفخم للسلطان يتصدر الساحة ، محاطاً بعدد كبير من الحراس الذين يرتدون زياً جميلاً خاصاً بالمناسبة ، وبعدد اكبر من عيون رجالات الامن الموزعة بين الجماهير ، وبحركة متعارف عليها من يد السلطان ، تمّ دخول ثلاثة رجال متعافي الأبدان ، كل واحد منهم يقود كلباً في رقبته سلسلة ... أدى الثلاثة التحية ووقفوا على خط مستقيم واحد ، كان الاول مع كلب تتدلى من رقبته بطاقة تعريفية ( كلب صيد) يتمتع بجسد طويل ورشيق ، اما بطاقة الكلب الثاني فكانت ( كلب حراسة) من السهل ملاحظة مايتحلى به من عافية وقوة وشراسة ، فيما كان الكلب الثالث ضخماً الى الحد الذي يصعب فهم مشاركته في السباق ، وكانت بطاقته التعريفية تشير الى انه ( كلب السلطان) !
على مبعدة (150) متراً عن خط الكلاب، كانت فتاة جميلة بملابس تكشف ثلاثة ارباع جسدها ، شدتْ انظار الجميع اليها ، تقف عند خط خاص بها وهي تقود (غزالاً) ، رفع السلطان سبابته ، فصاح احد اتباعه بأعلى صوته [ استعدوا ...أمامكم دقيقتان لاطلاق الكلاب والغزال] و .. وبدأ السباق ، الكلاب الثلاثة تطارد الغزال ، ومع ان كلب الصيد كان الاسرع ، ولكن المسافة بينه وبين الغزال حافظت على (150) متراً حتى بعد ان قطعا قرابة (1600) متر ، وحين قطع كلب الحراسة قرابة ثلاثة آلاف متر بدا الاعياء واضحاً عليه ، وعندما قطع مئتي متر اخرى توقف عن الركض وقد تدلى لسانه ، فيما واصل كلب الصيد عدوه ، ولكنه لم يعد بنشاط البداية وان كانت المسافة بينه وبين الغزال لم تتغير ، فيما باتت المسافة بين كلب السلطان والغزال اكثر من الف متر ، وعند اجتياز كلب الصيد الالف السادسة عشرة توقف عن الركض وتعالى لهاثه ولم يلبث ان بَرَكَ على الارض ... كلب السلطان لم يجهد نفسه ، ربما هي قدرته على الجري والمسافة بينه وبين الغزال بلغت ستة آلاف متر، كان من المتعذر اللحاق بالهدف ، لولا ان الغزال عند الالف الثالث والعشرين ترنح وكأنه أصيب بالدوار ثم افترش الارض لاهثاً ، ومع ان المسافة ما زالت بعيدة بينهما، ولكن كلب السلطان واصل جريه بالوتيرة نفسها ، هادئاً ، والجماهير في اعماقها تدعو ان ينهض الغزال و ... وفجأة ارتفع التصفيق حتى احمرت الأكف وتعالت اصوات الغناء والرقص والزغاريد والاهازيج بعد ان نجح كلب السلطان بأصطياد الغزال !!