اخر الاخبار

عند غروب الشمس وتحت جدارية جواد سليم  كان لقاؤه الأول بها تبعتها لقاءات أخر، لقاءات توشحت بالمرح والأبتسامات والضحكات المجلجلة أحيانا ، واستمرت هكذا في الأيام اللاحقة ، بعدها توج آخر لقاء له بها أثناء قدومه من مدينته إلى شارع المتنبي لاقتناء بضعة كتب بتحديد موعد عقد قرانه عليها ، وتم لهما ذلك خلال إسبوعين  ،  فاثمر عن سفرات مفتوحة إتسمت بشئ من التحرر في زياراته  ،  كانت هي برفقته أينما حل ، في هذا المكان أوذاك 

مرقت في ذاكرته تلك الأيام معها ،  خيم عليها حزمة من الصور المرحة وهما يتعقبان جريا سريعا أحدهما وراء الأخر وسط الحدائق والغابات والجبال والوهاد ، وبقيت تعوم في رأسه على نحو موجات  هادئة ، سلسة ورشيقة  وهو الآن يداعب خاتم خطوبته الذي ألقت به في وجهه في تلك الليلة الممطرة  كرد فعل على موقف لحد هذه الساعة يجهل تفاصيله وأسراره ، وتركه مركونا فوق زاوية من على منضدته الغارقة بالأوراق  ، نظر إليه بحزن شديد وهو مازال يعزو أسباب فسخ عقد قرانه إلى حجم التجاذبات والسجالات بينهما من وقت لأخر على صفحات الجرائد اليومية عبر مقالات مشوبة بالتحدي والغضب  ، كلاهما يلقي باللائمة على الآخر بأقسى الإتهامات واعنفها  أزاء ما يدور من أحداث وقعت هنا وهناك نجمت على إثرها الكثير من الترسبات المثيرة للحزن والألم ركز عند آخر احتدام معها في مقال في جريدة......إستشف من سوداوية كلماتها حجم حزنها والمها  ، بعدها إفترقا ولم يعد يراها البته ، وكم حاول الإتصال بها عبر جهازه المحمول  لكنها تصر على أن لا ترد ، فأدرك في حينها عمق خلافها معه وامتعاضها منه

  فيما هو يتأمل آخر أشعة لرئته وآخر التحاليل المدونة في أوراق صفراء وتحذيرات الطبيب في اخر مراجعاته قبل نحو شهر له من التمادي في تدخين السجائر ويتعين الكف عن تعاطي الخمر ، وهو الآن يشكو ألما مبرحا جعله يفكر بشكل وكأنه يواجه مصيراً محتوماً ، الموت لامحالة إن لم يع وينتبه لحالته ؛ ربما يلقي بحتفه في غضون إسبوع أو أيام، عجيب من مرض غامض عجز عن إدراكه جميع الأطباء الذين وطئت قدماه أراض عياداتهم  ، فضل إبقاء خبر مرضه طي الكتمان كي  لا يكلف احدا من أصدقائه تجشم مشقة عناء المجئ إليه ، غير أنه  فوجيء في اليوم التالي خبر مرضه يغطي معظم الصحف اليومية وتحت عنوان بارز ، مما أثار فيه الحنق والامتعاض

 و كلما مر يوم ازداد ألما وحزنا لدرجة بلغ به السقوط مغشيا عليه، لكنه قاومه بقوة وإزداد صلابة حين وقعت عينيه على خبر نيل خطيبته الجائزة الذهبية للرواية في صحيفة جاء بها أحد زملاءه عند زيارته له مع جمع غفير من أصدقائه  ، فهمس في سره إنها لم تكن الأولى ، إنها للمرة الثالثة تنال هكذا جائزة فضلا عن نيلها حب القراء عند نشر أية قصة أو نص شعري

في الصباح وهو ينهض من السرير وكالعادة بحث عن علبة الدواء كسائر الأيام بغية تخفيف حجم الألم ، لم يتأخر عثر عليها  وقبل أن يدس أحد الأقراص طرق باب شقته ، هم وهو يقطع خطواته بصعوبة وببطء قال في سره متسائلاً “ (يا ترى من جاء في هذا الصباح ؟ ) وعند فتحها فوجئ بخطيبته تملأ الفراغ بين ظلفتي الباب ، غمرته سعادة لاتوصف وهو يحدق في وجهها الطفولي وخصلات شعرها الحالك وقال  “أحقا ما أرى..  من جاء بك إلى هنا؟ أجابت في الحال: انت. إبتسم والفرح يملأ وجهه فسقطت علبة الدواء من يده على الارض ، بعدها نظرت في عينيه فقرأت همسا شعريا ظلت تعشقه، فهمس لها بنبرات هادئة، مقاطع. فتبدد الألم ولم يعد يشعر به تماماً.

عرض مقالات: