اخر الاخبار

تجمع أهالي الشبانة من قصبات العمارة، حول محيط بستان حجي حافظ، أثناء زيارة المتصرف (يسمونه حالياً المحافظ) صباح الحوراني، في بداية السبعينيات لمنطقتهم، المنطقة النائية المليئة بالمستنقعات والبرك، وذات الطبيعة الغناء، حيث تنتشر طيور البرهان الزرق واللقالق وزرات البعيجية، واحاطوا بالمتصرف من كل جهة. غير أن الحوراني ركز كل إنتباهه على عبد الحسين احمد حسن الكعبي، ذلك الشاب الثلاثيني، الذي لُقّب حركياً فيما بعد بأبي سمير، لأنه رآه بعيداً عن الحشد، مطرقاً في تفكير عميق عن مصير الجبهة الوطنية، التي عمد البعثيون إلى تدميرها عبر هجومهم الغادر ضد الحزب الشيوعي العراقي، دون أن يعير للمتصرف البعثي، السوري الجنسية، أية إنتباهة، مستنكراً خداعه في جمع مطالب الناس، التي سطروها على عرائضهم.

إستفز إهماله العامد وعدم مساهمته الأخرين في السلام والهتاف، المتصرف، فأندهش وطلب إحضار الشاب، فجاء يمشي بشموخ وثقة بالنفس، وحيا المتصرف، الذي سارع لإظهار جوهره الحقيقي، فقال لعبد الحسين:

- ها أبو علي، تعقّد وضعكم انتم الشيوعيين، وإشتدت الظروف قسوة عليكم، فلا مناص من الإنتماء وتسجيل إسمك في سجلات حزب البعث. وأعدك بمنصب مرموق إن فعلت ذلك.

نظر عبد الحسين لهذا الرجل القميء وتمتم بتواضع:

- يصير خير إنشاء الله.

أدرك الجميع أنها مجاملة مفضوحة، أو محاولة للإفلات من كماشة القمع، او للحصول على فرصة للإنتقال لمواقع النضال السري، فلا يستطيع عبد الحسين أن يتخلى عن حزبه وفكره، الا إذا تخلت الشمس عن النهار والفراشات عن الأزهار وورد الرازقي عن شذاه. وحين إنكشف ذلك للبعثيين، واجهوه بمضايقات شديدة في مدرسة العزة قرب الدفاس، التي كان يدرس فيها التربية الإسلامية، وإشتد عليه القمع وهو في البيت والمدينة، مما اضطر معه للسفر إلى خارج العمارة، وأرسله الحزب بعد ذلك إلى موسكو للدراسة في المدرسة الحزبية لإعداد الكوادر القيادية، ثم سارع للإلتحاق بقوات أنصار الحزب الشيوعي في كردستان، بعد أن تبنى الحزب الكفاح المسلح، كأبرز أساليب نضاله لإسقاط الدكتاتورية.  

في كردستان، كان أبو سمير، كادراً حزبياً وعسكرياً متميزاً، ينفذ بإبداع كل توجيهات الحزب والمهام التي يكلف بها، ويتمتع بإحترام رفاقه، صبوراً ودؤوباً وشجاعاً. وحين وقعت جريمة الغدر الثانية في بشت آشان، إستشهد أبو سمير، وصار إيقونة لجميع المناضلين من اجل وطن حر وشعب سعيد.

مجداً أبا سمير، فقد أوفيت ما عاهدت عليه، شوقنا وشوق عائلتنا لك كبير!

عرض مقالات: