اخر الاخبار

اتخذ المسرح العالمي موقفا في (المواجهة والتحريض) كفعل بشري لتحقيق الرغبة في ترسيخ قيم الحرية والسلام والجمال وتحقيق العدالة والديمقراطية وبناء المجتمع وفق مسار انساني يحترم الآخر، وعرض مشكلات الواقع الاجتماعي. ولعب المسرح دورا مهما في ذلك منذ البدايات الأولى في اليونان والرومان واستمرت مواقفه لتطهير النفس البشرية والتزامه بقضايا الإنسان.

إلا أن مسرحنا العراقي ومنذ انطلاقته اتخذ العاملون فيه الموقف الرافض والمشارك في التحريض ضد ما تقوم به السلطات من أفعال معادية للوطن والشعب، وعلى وفق خطاب مسرحي يتضمن هموم الإنسان العراقي.على الرغم من أن الدولة كانت وما زالت مالكة لوسائل الانتاج (قاعات المسارح، الفرق المسرحية الحكومية، العاملون في الفرق المسرحية الحكومية من الموظفين)، وقد وضعت القوانين والأنظمة الشديدة في تأسيس الفرق التمثيلية وشروط إجازة النصوص المسرحية، والتعليمات الخاصة بالموافقة على العروض المسرحية (لجان الرقابة)، وكان لتلك اللجان سيئة الصيت من قرارات ظالمة في منع عروض مسرحية تتوفر فيها كل أسس العمل الفني الجيد (فكريا وفنيا وجماليا)، بسبب التزام تلك المسرحيات بقضايا الإنسان العراقي.

 ومحافظة ديالى لا تبتعد عن ذلك الواقع، وقد واجه (مسرح ديالى) حملات منع نصوص وعروض واقتحام قاعات عرض أثناء العرض من قبل أجهزة أمنية واعتقالات المسرحيين وإجراء التحقيق مع مخرجين من العاملين في التعليم ونقلهم إلى مناطق نائية. وذكر الفنان حسين ناصر وهو رائد مسرحي، أن متصرف ديالى أمر بمنع عرض مسرحية (سقوط غرناطة) عام ١٩٥٤، وانه جرى التحقيق معه بسبب جملة كانت ضمن النص تقول إن (الملوك فانون...وأما المبادىء فخالدة). وتم العرض بحضور المتصرف، ما أدى الى انزعاجه لأن الجمهور صفق للممثل وبدأت هتافات في القاعة ضد الاستعمار. فترك القاعة وأمر بإيقاف العرض حالا. ويذكر أيضا أن مسرحية (في سبيل التاج) منعت أيضا عام ١٩٥٤ من العرض بعد يوم الافتتاح، لأنها تعالج موضوعة الظلم والاستبداد.

 وقدمت فـــــــــــــــــرقة التربية المسرحية عام ١٩٦٥ مسرحية (أيام زمان) تعريق (عبد الخالق جودت) عن مسرحية (المفتش العام) تأليف (غوغول) وإخراج (ثامر الزيدي) وعرضت المسرحية بحضور الدكتور (عبد الرحمن البزاز) رئيس وزراء العراق الذي كان يزور بعقوبة، وأثناء العرض حاول بعض المسؤولين إيقافه إلا أن (البزاز) كان سعيدا جدا لأحداث المسرحية، لأنها تكشف واقع المدينة التي تعيشها من جراء عدم توافر الأمن والتعليم وضعف الخدمات الصحية والفساد في الدوائر، واستمر الممثلون بتقديم عرض متميز وبمتعة. وفي نهاية العرض تدخل البزاز كما يقول (ثامر الزيدي) في كتابه (ذكريات المسرح الصعب) إن الممثلين بدأوا بالتلعثم عند قراءة الرسالة التي وصلت للقائمقام،... هنا تدخل (البزاز) وطلب إكمال قراءة الرسالة من قبل (سالم الزيدي الذي كان يمثل دور القائمقام نفسه) حيث قال له بصوت عال (أقرا أقرا)، قرأ(الممثل) الزيدي العبارة (أما قائمقام المدينة فهو مرتش يلعب القمار ويسرق أموال المدينة) فساد الضحك والتصفيق في القاعة.

 وفي اليوم الثاني عقد اجتماع لوجهاء بعقوبة وتحدث معهم البزاز طالبا منهم تحديد احتياجاتهم، فلم يطلب شخص طلبا تحتاجه المدينة بل كانت طلباتهم شخصية، فرد عليهم بغضب ...الحقيقة سمعتها من الممثلين الذين كانوا على خشبة المسرح.. وطلب عدم معاقبة المشاركين في المسرحية وتوجيه الشكر لهم ....إلا أن المتصرفية والتربية عملت عكس ذلك .

ويذكر أن شرطة أمن بعقوبة اقتحمت قاعة التربية بتاريخ ٢٥نيسان ١٩٧٩ أثناء عرض مسرحية (الإجازة) للكاتب الراحل محيي الدين زنكنه وإخراج سالم الزيدي، وكان العرض منجزا مشتركا لفرقتي (بعقوبة وديالى) وحمل (المضمون أو الرفض) قيما فكرية وفنية وجماليا وتميزت بتعاون جسدت وحدة المسرحيين في ظل (الجبهة الوطنية)، واستمرت أكثر من أسبوعين بحضور جمهور غفير، ولأول مرة حضرت وفود من محافظات (بغداد و كردستان وبابل وكربلاء)، واثناء حضور الوفود اقتحمت زمرة من رجال أمن بعقوبة القاعة وصعد أحدهم وجر أحد الممثلين وأخرجه، وبدأ نقاش معهم وطلبنا منهم السماح له بإكمال العرض ثم اعتقلوه، فرفضوا ذلك، واقتادوا الممثل وكل من (سالم الزيدي ومؤيد الناصر وعلي الطائي والممثل عبد الرزاق محمود) إلى مديرية أمن بعقوبة. وحين دخلنا على المسؤول، قال متهكما، (محي الدين زنكنه) لماذا تتحدى الحكومة؟ قلت له: محيي الدين زنكنه غير موجود رد بعصبية: والذي يرتدي (التشيرد) الأحمر من هو ...؟ قلت له: الممثل عبد الرزاق محمود... انتفض صارخا: وأين محيي...؟ أجابه الفنان مؤيد الناصر: لا ندري... قال الضابط وما علاقته بكم؟ رد الفنان علي الطائي: إنه المؤلف.... وبعصبية بدأ يتكلم بكلمات بذيئة، على الضابط الذي اعتقلنا، رد الضابط كان أمر الاعتقال (اللي لابس تيشرد احمر) اعتقلو.... وهو وحده كان يرتدي ذلك... عندها صرخ المدير بعصبية وأمر المدير صارخا: اخرجوهم ....... وتم استدعاء المسرحي الراحل عامر مطر إلى الأمن حين كان يشارك في مسرحية (بهلوان آخر زمان) إخراج الفنان ثامر الزيدي لأنه كان يحمل دفترا أحمر اللون! كما منعت عرض مسرحية (قضية ظل الحمار) لفرقة مسرح بعقوبة إخراج صباح الانباري من قبل قسم الإعلام في محافظة ديالى وعاقبت المديرية العامة لتربية ديالى الدكتور (فيصل المقدادي) عام ١٩٧٥ حين أخرج مسرحية (القاعدة والاستثناء) للكاتب الألماني برخت في مدينة جلولا، عندما كان فيصل مدرسا فيها وأبعد إلى قرية نائية بعد أن صدرت بحقه عقوبة وجرى تحقيق معه في دائرة الأمن! والمشكلة أن هناك أشخاصا يمارسون كتابة التقارير عن الفرق المسرحية ويتدخلون في شؤون الفرق المسرحية، حتى أن أحدهم رفع تقريرا علينا وتم احالتنا على لجنة للتحقيق لأني كلفت بإدارة (فرقة ديالى للتمثيل) التابعة لدائرة السينما والمسرح، بحجة أنى وزعت أدوار المسرحية على أساس الانتماء السياسي!!!!

وليس مؤسسات الحكومة فقط من تراقب أنشطة الفرق المسرحية، بل حتى بعض الفنانين الذين يمارسون دور “الشرطي” سواء أيام النظام المقبور أو في الوقت الحاضر!!

وعلى الرغم من كل ذلك استمر المسرحيون في ديالى بتقديم منجزاتهم الإبداعية في ظلال ظروف غير الصحية، ور فض الإذعان للسلطات الديكتاتورية، أو للواشين في الوقت الحاضر!

ختاما وفي (يوم المسرح العالمي) مسرح ديالى يبقى دائم العطاء والتواصل ومنبرا حرا بما يحمل من فكر والتزام بقضايا التحرر والدفاع عن الإنسان، وكان وسيبقى متنورا ومتحديا بوجه قوى الظلام والتخلف والتطرف والإرهاب ويناشد المحبة والسلام، وتحية حب لمسرحي العالم من بعقوبة إلى أقصى قرية في العالم!

عرض مقالات: