اخر الاخبار

كان العراق يومًا ما يتمتع بأحد أكثر قوانين الأحوال الشخصية تقدمًا في المنطقة. فقد صدر قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 عام 1959، ومنح النساء العراقيات حقوقًا متقدمة نسبيًا في الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال مقارنة بالدول المجاورة. كان هذا القانون تشريعًا رائدًا يعترف بدور المرأة، ويهدف إلى الحد من التقاليد الذكورية التي تضطهدها. إلا أن عدم الاستقرار السياسي والصراعات الطائفية والضغوط المحافظة، خاصة في ظل نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي ترسخ بعد احتلال العراق عام 2003، أدى إلى محاولات تفكيك هذه المكاسب التي تحققت بصعوبة.

 و في السنوات الأخيرة، سعت قوى سياسية ودينية مناهضة للديمقراطية إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 للسماح بزواج الفتيات بعمر تسع سنوات وفقًا لتفسيراتها،  هذه الخطوة تمثل هجومًا مباشرًا على حقوق النساء والفتيات العراقيات، حيث تهدد صحتهن وتعليمهن ومستقبلهن.

ولا يُعد زواج القاصرات مجرد قضية قانونية، بل يمثل أزمة إنسانية تعرض الفتيات لمخاطر جسدية ونفسية خطيرة، كالعنف الأسري، وحياة مليئة بالقهر والتبعية.

وعلى الرغم من المعارضة الشرسة من قبل الناشطات في مجال حقوق المرأة، تستمر المحاولات القانونية للتراجع عن هذه الحماية. إن هذه الإجراءات الرجعية تهدد عقودًا من التقدم، كما أنها تتعارض مع التزامات العراق تجاه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي صادق عليها العراق عام 1986.

وإلى جانب الانتكاسات القانونية، تعاني النساء العراقيات من قيود اجتماعية متجذرة تحد من فرصهن في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. وتؤثر المصاعب الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، بشكل غير متناسب على النساء، مما يدفع الكثيرات إلى الاعتماد الاقتصادي على من يعيلهن.

كما أن الأعراف الاجتماعية المحافظة تفرض على النساء البقاء ضمن الأدوار المنزلية، مما يحد من تقدمهن المهني والاجتماعي.

وتبقى ظاهرة العنف ضد المرأة منتشرة على نطاق واسع في العراق، حيث يستمر العنف الأسري وجرائم الشرف والتحرش دون رادع. ولا تزال الحماية القانونية ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي ضعيفة، كما تواجه الناجيات ضغوطًا اجتماعية وصعوبات قانونية تمنعهن من السعي إلى العدالة.

وعلى الرغم من هذه التحديات، تواصل النساء العراقيات النضال والمقاومة. فالجمعيات النسوية والمنظمات الحقوقية والحركات الشعبية تعمل بلا كلل للدفاع عن حقوق المرأة وإحداث التغيير الاجتماعي. وقد قادت الاحتجاجات والحملات النسائية إلى جذب الانتباه الوطني والدولي إلى هذه القضايا، والمطالبة بمحاسبة الحكومة والقيادات الدينية.

وقد لعب تحالف 188، وهو تجمع يضم منظمات حقوق المرأة والنشطاء، ومن بينها رابطة المرأة العراقية، دورًا بارزًا في حملة شجاعة لمنع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188، على الرغم من التهديدات والترهيب الذي يواجهه أعضاؤه.

إن صمود المرأة العراقية يظهر جليًا في استمرار نضالها لاستعادة حقوقها، حتى في ظل التحديات الجسيمة.

 

ضرورة التحرك والتضامن

في هذا اليوم العالمي للمرأة، من الضروري الوقوف في صف المرأة العراقية ودعم نضالها ضد التراجع القانوني والقمع الاجتماعي. ينبغي على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق المرأة والإنسان والمجتمع المدني العراقي العمل معًا لمواجهة القوانين القمعية التي تهدد النساء والفتيات.

كما أن تعزيز الحماية القانونية، وتطبيق قوانين مناهضة التمييز، وتعزيز التعليم القائم على المساواة بين الجنسين، كلها خطوات أساسية لحماية حقوق المرأة العراقية.

إن الكفاح من أجل المساواة بين الجنسين في العراق لم ينتهِ بعد، لكن من خلال المثابرة والتوعية والعمل الجماعي، يبقى التقدم ممكنًا. في هذا اليوم العالمي للمرأة، لنكرم شجاعة النساء العراقيات، ونجدد التزامنا بالدفاع عن حقوق المرأة وكرامتها وحريتها

عرض مقالات: