اخر الاخبار

انعدام الأمن، العنف في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مظاهرات في إسرائيل ضد مشاريع تهدد المؤسسات الديمقراطية، استياء في الجيش، مشاكل اقتصادية ومصرفية، نيتنياهو يواجه أزمات متعددة الأوجه منذ شهر من عودته إلى السلطة على رأس أكثر الحكومات يمينية ودينية وعنصرية في التاريخ الإسرائيلي، هذه الأزمة خطيرة ومعقدة وغير مسبوقة في بلد عرف منذ ثلاثة أرباع القرن أوضاعا غير مستقرة.

هذه المشاكل الأمنية الواضحة الناشئة عن العمليات الاجرامية التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي والانتقام المميت’’ أو ’’ الردود الطبيعية’’ من قبل الجماعات الاسلامية المسلحة الفلسطينية أو الأفراد، وهذه الصعوبات والمخاطر المتعددة لم تتوقعها الحكومة، بل هي من ساهمت في خلق هذه المشاكل التي تثير القلق بشكل كبير، خاصة انها مصحوبة بمناخ سياسي واجتماعي شديد التوتر.

كل أسبوع ومنذ تشكيل حكومة نيتنياهو تخرج مظاهرات ضخمة (100000) مواطن في تل ابيب خلف شعارات منددة بإصلاحات الحكومة وخاصة ما يتعلق بالعدالة (المحكمة العليا)، والذي يعتبرها المنظمون خطرة على عمل المؤسسات الديمقراطية وتهدد الازدهار الاقتصادي. هذه الاصلاحات تهدف إلى حماية رئيس الوزراء من الفساد، الاحتيال، فقدان الثقة، وخيانة الأمانة، ومن الملاحقة القانونية المقامة ضده منذ خمس سنوات، هذه الاصلاحات التي وعد حلفاؤه من اليمين الديني المتطرف بدعمها مقابل دخولهم إلى كابينة الوزارة، وبذلك سيسمح للكنيست (البرلمان الاسرائيلي) بفرض وجهات نظرهم على المحكمة العليا، وهذا ما يدفع المعارضة بالوقوف ضد هذه المشاريع لأنها تعتبر نهاية حكم القانون وبداية تغير سلطوي للسلطة والذي بدء بالهجوم على وسائل الإعلام. (دولة اسرائيل لا تملك دستورا وانما مجموعة قوانين اساسية، وأي قرار يتخذه الكنيست يرفض من قبل المحكمة العليا، إذا كان هذا القرار يتعارض مع هذه القوانين الاساسية، وهذه المحكمة متكونة من تسعة قضاة، ثلاثة يتم تعينهم من قبل الكنسيت، والاصلاح الجديد يعطي صلاحية للكنيست بتعيين خمسة قضاة - بدل ثلاثة سابقا-المترجم).

بنيامين نتنياهو بعد مؤتمره الصحفي في القدس يوم 25 كانون الثاني/يناير 2023 ، كان منتشيا من نجاحه الانتخابي (نسبة كبيرة من الشباب صوت له-المترجم) وتعززت قناعاته بدعم  مجموعة من المستشارين المخلصين ، ولا يبدو أنه قاس طبيعة وتركيبة المعارضة لمشاريعه الوحشية، إن ما يقرب من 400 اقتصادي سيوقعون تحذيرا من العواقب غير المتوقعة للتحول الاستبدادي للنظام، بل حتى العاملين في صناعات التكنولوجيا المتطورة سوف يكونون ضده، وأكثر من ذلك أنه تجاهل غضب السكان الفلسطينيين، ولا يحتاج المرء ان يكون خبيرا لفهم أن الوضع الامني في الضفة الغربية يمكن ان يصبح متفجرا.

غليان كامن في نفوس الفلسطينيين وخاصة الشباب ضد سلطتهم الفلسطينية لعدم الكفاءة والشرعية الديمقراطية وفساد قادتهم وموقفهم السلبي في مواجهة القوة الغاشمة الاسرائيلية ذات الطموحات السياسية والارضية الكبيرة والتي سبق وصفها وتوثيقها لسنوات، اضافة إلى ذلك عدم وجود حلول لما يتعرضون له من مهانة واذلال بسبب عقود من الاحتلال والاستعمار وانشاء المستوطنات، وقد تم استثمار هذا الغضب من تيارات اسلامية نشطة.

إن هذ الثورة لا بد من انفجارها وبشكل عنيف، بل أصبح حتميا ان تنفجر نتيجة الاستفزازات من جانب حلفاء نتنياهو الدينيين والقوميين المتطرفين والمعادين لأي شكل من اشكال الدولة الفلسطينية المستقلة.

قتلى معبد نفيه يعقوب في مستوطنة في ضواحي القدس مثل القتلى في سلوان في حي فلسطيني في القدس، احتله المستوطنون منذ سنوات. استطلاع مشترك أجراه مركز ابحاث فلسطيني في رام الله وجامعة تل ابيب في كانون الاول/ديسمبر 2022، أظهر أن الأمل في اقامة دولتين لم يكن بهذا الضعف منذ أكثر من 20 سنة، وأظهر %40 من الفلسطينيين الحاجة إلى اللجوء إلى الكفاح المسلح، وبحسب نفس الاستطلاع، كما اعتقد 61% من الفلسطينيين و65% من الاسرائيليين، أن انتفاضة جديدة تلوح في الأفق.

أيام قليلة من تسليم منصبه إلى خليفته الجنرال هرتزل هاليفي، قدم رئيس اركان الجيش الاسرائيلي السابق الجنرال افيف كوخافي، في مؤتمر صحفي أمام صحفيين متخصصين في الأمور العسكرية تقييما لأربع سنوات من قيادته، ذكر فيه أنه أبلغ رئيس الوزراء رفضه لوقف التمويل وكذلك وقف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وأخيرا أبدى معارضته لاختفاء هذه السلطة، لأنهم حسب رأى الجنرال سوف يتوجب عليهم دعوة قطاعات احتياطية لنشرها في المدن الفلسطينية، هذا ما ذكرته صحيفة هارتس، لذا أصبح وجوده غير مريح لرئيس الوزراء لأنه على خلاف مع حلفائه من اليمين الديني المتطرف والذي يسعى نتنياهو إلى دعمهم له في مشاريعه ضد العدالة، كما رفض نقل تنسيق انشطة الحكومة في الاراضي المحتلة، وهو من مسؤولية هيئة الاركان العامة إلى وزارة المالية بناء على طلب الوزير الديني سموتر يتش، وأن يتم نقل قيادة شرطة الحدود في الضفة الغربية من الجيش إلى جهاز الامن القومي حسب رغبة الوزير اليميني المتطرف بن غفير، وأن تقدم ضمانة الحصانة للشرطة في ممارسة مهامهم .

هذه ليست المشكلة الوحيدة التي يوجهها  نتنياهو مع المسؤولين العسكرين والأمنيين، في 23 كانون الثاني/يناير 2023، قدم مدير المعهد الوطني للدراسات الأمنية لرئيس الدولة نسخة من’’ التحليل الاستراتيجي’’ السنوي وفيه تحذير غير عادي بشأن الخطر الذي تتعرض له ’’المرونة الاجتماعية’’ للمجتمع الاسرائيلي من خلال اضعاف او اختفاء ’’الضوابط والتوازنات ’’ الضرورية للأداء الجيد الديمقراطي للمؤسسات، بمعنى آخر بالنسبة إلى المعهد الوطني وكذلك قادة المعارضة واصوات من اليمين واليسار، فإن المشاريع التشريعية للائتلاف الجديد الحاكم  هي انزلاقة نحو الاستبداد ونحو نموذج غير ليبرالي وهي تهديد مميت للديمقراطية الاسرائيلية وخطر على تماسك المجتمع .

بالنسبة إلى نتنياهو الذي لا تزال أولوياته هي اضعاف المحكمة العليا، وعلى المدى الطويل اقامة علاقات مع العربية السعودية كما رسمه له دونالد ترامب، كذلك يجب عليه الحد من انعدام الأمن في الضفة الغربية، دون اطلاق عملية عسكرية من شأنها اثارة العالم العربي وخاصة السعودية، كما يجب عليه تقديم تعهدات جازمة إلى حلفائه من اليمين المتطرف من خلال مضاعفة العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، والتي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، منها  هدم المنازل، الطرد وسحب حقوق الاقامة وتشجيع المستوطنين على تسليح انفسهم اكثر.

كل هذه الاجراءات لا تعتبر كافية من قبل حلفائه، ولكن كيف يكون الأمر بخلاف ذلك مع رئيس وزراء يحاول الهرب من قضاته، وتشكيل تحالف مع سياسيين مثل بن غفير وسموترتيش (قررت المحكمة العليا على الحكومة انهاء عمل هذا الوزير، ادانته بقضايا عديدة—المترجم)، رجلين تخصصهما إطفاء الحرائق بالبنزين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الموقع: ميديا بار–كانون الثاني 2023

عرض مقالات: