اخر الاخبار

إلى كل العراقيين الذين عاصروا وشاهدوا الأيام الدامية، من الشهداء ومن رحلوا والباقين المضحين بالغالي والنفيس.. إجلالا وإكبارا وتقديرا لتضحياتهم الجسام في تلك المحنة التي لا تمحى من الذاكرة.

عندما نتصفح تاريخ العراق بعد الاحتلال العثماني لغاية الاحتلال الأمريكي. لم يمر بتاريخ العراق يوم دموي يحمل بين طياته الكره والحقد والانتقام مثل يوم (8/شباط/ 1963) أو ما يسمى بالجمعة الدامي، حيث استباحت قطعان الحرس القومي وأسراب الجراد الاصفر من البعثيين وحلفائهم من القوميين والاخوان المسلمين، حرمة الشعب العراقي بكافة انتماءاته العرقية، وجرت الدماء سيولا دون توقف في تلك الايام المشؤومة وما سميت بعدها (بعاهرة الثورات) من ذلك العام.  

 وفي مثل هذه الأيام المشؤومة وقبل (60) عاما وبالتحديد من الثامن من شهر شباط عام 1963 تم اغتيال ثورة الرابع عشر من تموز، الثورة التي اطاحت بالنظام الملكي العميل وأقامت أول نظام جمهوري بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم. في يوم الثامن من شهر شباط بدأت المرحلة السوداء من تاريخ العراق السياسي الحديث حيث جيء بحزب البعث ليتحول العراق إلى حمامات من الدم وساحات للإعدام مارس خلالها البعثيون أبشع أنواع واساليب التعذيب الهمجي والقتل والتهجير بحق الشعب العراقي، ابتدأت من ذلك اليوم المشؤوم الثامن من شباط الاسود عام (63) فترة حكمهم، وفترة حكمهم الثانية في (السابع عشر من تموز عام 68) وحتى يوم سقوطهم باحتلال العراق في التاسع من نيسان عام (2003). حيث تعتبر هاتان المرحلتان من حكم البعثيين مراحل سوداء في تاريخ العراق الحديث. لقد حققت ثورة الرابع عشر من تموز رغم قصر عمرها منجزات وطنية وانسانية قل نظيرها لتبقى خالدة في ذاكرة كل عراقي وطني. تمثلت هذه الانجازات بقانون الاصلاح الزراعي الذي قضى على رموز الاقطاع وتوزيع الاراضي على الفلاحين وكذلك صدور قانون رقم (80) لعام (61) الخاص بتأميم وتحديد مناطق استثمار النفط. إضافة إلى قانون الأحوال الشخصية، والخروج من حلف بغداد. كل هذه المنجزات التي أعادت للعراق سيادته واستقلاله وهيبته واسترجعت ثرواته الوطنية المنهوبة، لم ترق للبعثيين والقوى الرجعية العالمية. من هنا بدا التخطيط للقضاء على هذه الثورة (الرابع عشر من تموز) ومنجزاتها ونهجها الوطني الديمقراطي وعلى رأسها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم وما حققته من منجزات عظيمة. فكان انقلاب الثامن من شباط عام (63) وتسلم عصابات ومجرمي البعث المقبور زمام الأمور في العراق، بعد اعتقال واقتياد الشهيد عبد الكريم قاسم إلى مبنى دار الاذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية بعد أن أعطوه وعد شرف بعدم المساس بشخصه حيث تم تنفيذ حكم الإعدام به وبرفاقه الضباط الاحرار بطريقة وحشية وغير انسانية ومن دون اية محاكمة قانونية وشرعية. 

وما نريد التذكير به بأنه على كل عراقي وطني غيور عدم نسيان ذلك اليوم المشؤوم وتلك الجمعة السوداء من رمضان والتذكير به وبجرائمه لأبنائنا وأحفادهم في المستقبل، لكي لا يتكرر مثل ذلك اليوم الاسود الدامي الذي نجح بانقلاب فاشي وأد ثورة الرابع عشر من تموز التي جاءت من أجل الفقراء والعمال والفلاحين والمعوزين، وسنت الكثير من القوانين لصالح الشعب العراقي بكل انتماءاته القومية والعرقية. ولا تزال هذه الانجازات شاخصة إلى يومنا هذا. ويكفي ان نتذكر ان القتلة الانقلابيين أعدموا بدم بارد يوم (9) شباط قادة ثورة تموز دون محاكمة تذكر. وقد حولت مؤسسات مدنية ورياضية وقصر النهاية وملعب الإدارة المحلية والنادي الأولمبي إلى سجون لآلاف من المعتقلين المعارضين للانقلاب،  كما تعرض الشعب العراقي برمته وخاصة الشيوعيين والتقدميين الديمقراطيين والنساء العراقيات إلى صنوف الارهاب والتعذيب واخذت سكاكين الغدر والخونة الانقلابيين تحز رقاب الوطنيين من الشعب في مقرات الحرس القومي وأقبية قصر النهاية بلا هوادة وسالت أنهار من دماء الأبرياء، وقد فاحت رائحة القتل والموت والتعذيب الجسدي تحت سياط الجلادين حتى ازكمت الأنوف خلال الايام القليلة الماضية على استيلاء عصابات القتل والارهاب. وأدركت كل القوى الوطنية والديمقراطية ان هدف الانقلابيين الجبناء تصفية كل من يمكن أن يعارض او حتى يتبرم باستئثارهم بالسلطة وتحكمهم بالبلاد والعباد.

ولقد حدس رفاقنا وقتها أن سكاكين البعث العفلقي سوف تطالهم قبل غيرهم. عندما تم تشكيل هيئة خاصة للتحقيق في قصر النهاية وغيره من أماكن السجون والمعتقلات من غلاة المجرمين الطغاة والحاقدين الساديين الذين كانوا يتلذذون بتعذيب الشيوعيين والوطنيين تحت سياطهم الحارقة في أقبية قصر النهاية المشؤوم الذي كان فيه اختبار معنوي وفكري وجسدي لمقاومة الشر الذي استباح القيم الانسانية، بعد أن حلت البربرية والهمجية على أرض الرافدين، وكان يأتي العديد من كبار الضباط والعفالقة للإشراف على التحقيق ودفع المحققين إلى الايغال في اساليبهم الوحشية لانتزاع المعلومات من المعتقلين (وكانت هستيرية التعذيب تركب افراد الهياة التحقيقية عندما يدخلون القصر المشؤوم ).

(إن الانسان لا يمكن قهره أو كسر إرادته في أقسى الظروف ضراوة، وأن إخلاصه لأفكاره ومبادئه التي ضحى من أجلها هو جزء أساس من إحساسه لإنسانيته).

وتبقى الشيوعية رغم أنوفهم أقوى من الموت وأعلى من أعواد الشانق.

وليبقى الثامن من شباط يوما أسود في ذاكرة العراقيين..

عرض مقالات: