تتفنن مدارسنا في عموم البلاد بطريقة التدريس المتداولة حالياً وهي (التلقين) او ما يطلق عليها (التعليم البنكي) الذي ينحصر دور الطلبة في الحفظ والتذكر وإعادة ما يسمعونه من دون ان يتعمقوا في مضمونه ومحتواه، واستقبال المعلومات وتخزينها من دون وعي فيتحولون بذلك الى اوانٍ فارغة يصب فيها المعلم او المدرس كلماته، ويصبح التعليم نوعاً من الإيداع، الطلاب فيه هم البنوك التي يقوم المعلمون او المدرسون بالايداع فيها، حيث ان الطريقة تكون من طرف واحد فقط وهو المعلم او المدرس، وان الاستذكار والحفظ من الركائز الأساسية للتعليم في مدرسنا قاطبة، ابتدائية، متوسطة، اعدادية، جامعة، حيث يعتمد الطالب في تعامله وتحصيله على ذاكرته وعلى التكرار الآلي الاعمى للحقائق المحفوظة بدلاً من استغلال ذكائه وتفكيره وقدراته التحليلية، في حين ان التعليم الجيد في اسسه وأهدافه هو معاونة الطالب على ان يحفظ في ذاكرته المادة التعليمية بالصورة التي تمكنه ان يسترجعها في الامتحانات وليس مهماً في اغلب الأحوال ان يفهم ما تحمل العبارات من فحوى ومعنى ما دامت تسترجع بالشكل التي حفظت فيه، فجوهر التعليم هو تعويد الطالب تسلم المعلومات وتخزينها مؤقتاً الى أن يحين وقت الامتحان الذي هو موعد تسليم تلك المعلومات للمعلم او المدرس، وهذا هو التعليم الجيد في مدارسنا لان التلقين والعقاب هو ان كليهما يركزان على سلطة المعلم او المدرس ويقودان الى الخضوع ويحملان او يقودان المتعلم الى الإذعان وهذا التلقين ليس في المدارس وانما يتعداه الى التعليم العالي (الجامعات) حيث ان الجامعة أسيرة لطرق التدريس التي الفها واعتادها الطالب في خلال التعليم العام وليس من الميسور ان تغيّرها بما يتناسب مع الدراسة الجامعية القائمة على البحث والمراجعة وما يتطلبه من مهارات حيث ان اغلب طرق التدريس تعتمد على أسلوب المحاضرة وقلما يستخدم أسلوب التدريب العملي، فالتلقين طريقة تدريس قد تعمق التسلط وتغرس الاستبداد ويستخدمها اغلب المعلمين كسوط يقوي الإذعان والخضوع للطلبة ويفرض نتائج سلبية وخيمة على العملية التعليمية، لانها تعتمد على الترديد والحفظ والامتثال والاستظهار ولا يبقى مجالاً للتساؤل والبحث والتجريب والفهم والنقد حيث يضعف قدرة الطالب على الابتكار والابداع والتجديد والتعلم الذاتي ويقوده الى الاستسلام والقول من دون اعتراض حيث يصبح عقل الطالب عاجزاً عن التحليل والمعرفة ويتحول الطالب الى كائن سهل التأقلم مع الواقع وسريع التكيف مع ظروف القهر والسيطرة، حيث يعوّد الطالب على الاتكالية والسلبية بدلاً من الإيجابية وكشف النبوغ والمواهب والتميز، ويعمل التلقين على تقدم المعارف العلمية بعيداً عن الفهم والتطبيق والتجريب والربط بينها وبين مشاكل التلاميذ ويقلل من ميل التلاميذ تجاه المادة العلمية كما انه يساعد على ضعف قدرة الطلبة على الفهم والتحليل وحل المشكلات والاستنتاج ويحرمه من المشاركة في المادة التعليمية ويقلل من فرص التفاعل بينه وبين المعلم من ناحية وبينه وبين المادة الدراسية كما انه يهمل حاجات الطلبة واهتماماتهم ولا يراعي الفروق الفردية ولا يوفر الجانب العملي التطبيقي مما يعوق عملية تعلم العلوم وتعليمها، ويؤدي الى الملل والنعاس عند الطلبة خصوصاً اذا كان أسلوب المعلم او المدرس في عرض المادة الدراسية مملاً، حيث يفرض الأسلوب التلقيني في التدريس نمطاً معينا من التقويم يقوم على قياس كمية المعلومات التي يحفظها الطالب، فالتلقين طريقة تدريس لا تبني شخصية المتعلم ولا تنمي عقله وتفكيره، بل تضعف انسانيته لان سلطة المعلم او المدرس لا تناقش حتى اخطاءه لا يسمح باثارتها وليس من الوارد الاعتراف بها، بينما على الطالب ان يطبع ويمتثل وينفذ، هذا الانتشار في طريقة التلقين في مدارسنا قاطبة يعود الى لجوء اغلب المعلمين او المدرسين الى التلقين بوصفه وسيلة سهلة وآمنة لتوصيل كثير من المعلومات في وقت قصير، وان اغلب معاهد وكليات المعلمين والتربية اعدّت طلبتها بطرق تلقينية، حيث يتم تكوينهم بالتلقين ويصبح الطالب المعلَّم او المدرَّس اسيراً له بعد تخرجه إضافة الى ان كثرة المواد النظرية في مناهجنا الدراسية تؤدي الى اغراء المدرسين والمعلمين الى التلقين وتزيد الامر تعقيداً ان طول المناهج الدراسية كثيراً ما يرافقه جمود واضح في طرق المعالجة، إضافة الى كثرة عدد الطلبة في الصف الواحد مما يؤدي الى إعاقة عملية الحوار والمناقشة والتجريب، بحيث أدى ذلك الى شيوع التعليم التلقيني والى جعل فرصة الاهتمام بتنمية التفكير في المدرسة ضعيفاً جداً.

ان التلقين المهيمن على مدارسنا احد مظاهر التسلط فالمطلوب المرونة في اختيار الطريقة الناجحة في التدريس وانتهاج المنهج التوفيقي الذي يعمل على مزج الطرق التعليمية واختيار افضل عناصرها او ما يناسب منها الموقف الذي يواجهه المعلم او المدرس والمادة التي يدرسها ومستوى الطلبة ونوعيتهم. فمن واجب وزارة التربية والاشراف التربوي والاعداد والتدريب فتح دورات تكثيفية مطورة لطرق التدريس للتخلص من طريقة التلقين في التدريس التي عشعشت في مدارسنا او نقول شاعت في مدارسنا.

عرض مقالات: