اخر الاخبار

كان حدثاً عميق الدلالات عندما قدّم القائد الشيوعي العريق « كريم أحمد « بمناسبة الذكرى الثامنة والثمانين لميلاد الحزب
الشيوعي العراقي إلى قيادته الساعة اليدوية للرفيق الخالد فهد التي أودعها لدى أحد الرفاق المعتقلين معه لحظة اقتياده لتنفيذ
حكم الإعدام، طالبا منه أن يسلمها إلى الحزب ويبلّغ رفاقه تحاياه ووصاياه وآخرها جملته وهو يرتقي سلم المجد نحو المشنقة
والتي دوّت في آذان جلاديه والتي ظلت تطوف في الأذهان على مر الزمان المتعاقب مرافقة عقارب ساعته التاريخية
(الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق).
الحدث الذي وضعنا فيه القائد العريق «كريم أحمد» يكتنز في صيرورته وسيرورته أحداثا أكثر اكتنازا بالمعاني المباشرة
والرموز العميقة والرؤى الرحيبة؛ قائد يساق إلى الاعدام لكنه مفعم بالأمل بأن مسيرة النضال لن تتوقف، وأن كفاح حزبه
حتى بعد استشهاد قائده ماض في دربه الطويل، ولن نضيف على ذلك المزيد، على الرغم من وجود الكثير الكثير مما يجب
ان يضاف. ومن دلالات هذا الحدث الفريدة أن تكون الوديعة (ساعة!!).. نعم ساعة.
فأي رمزية يؤسسها ذلك؟؟!! وأية آمال تحتدم في صدر القائد الذي يخطو ببسالة نحو المشنقة؟! أ هي المراهنة على الزمن
الآتي، على المستقبل أم هو اقتران أسطوري بين الايمان بالمبادئ والمستقبل في لحظة من الزمن لا أمل فيها لاستمرار الحياة
في الجسد البشري؟!! فالخطى تتقدم الى منصة الموت - الخلود مرة أخرى لا نضيف إلى ذلك شيئا على الرغم من أن هناك
ايضا الكثير الكثير مما يستدعي أن يضاف.
تمضي السنون، ومراهنة القائد الاستثنائي على سريان مفاعيل وديعته وغزارة معانيها عبر المراحل على امتداداتها
وتبايناتها ضراوة ومرارة، عسفا وعنفا، معتقلات وسجون ووسائل تعذيب وشهداء.. أقبية ودهاليز وحمامات دم.. ملاحقات
ومناف وتغييب. وكل مرحلة أعنف وأصلف وأهول من سابقتها.
ولكن.. تظهر الساعة!! الساعة التي انتزعها الشهيد فهد من معصمه كما انتزعوه من بين رفاقه ليلة اعدامه كما انتزعوه
جسدا من لحظة الزمن التاريخية ، لكنه تصرف بحصافة عقله القيادي فأعطى الساعة لرفيقه المعتقل مودعا إياها أمانة في
عنقه وأعناق رفاق الحزب المجايلين له أو الآتين في قوافل النضال اللاحقة، أمانة يكون الزمن شاهدها مرموزاً إليه بتلك
الساعة اليدوية التي انتزعها الجسور من معصمه مواجهاً لحظة نهاية حياة الجسد واستمرار حياة الحياة متناغمة مع عقارب
الساعة التي كان ظهورها بعد كل هذه العقود هو الاخر ينطوي على دلالات أعمق من دلالات طول الزمن فمن معانيها
الأجلى الوفاء للأمانة ومغالبة الظروف مهما حلكت وادلهمت، ظلت في معاصم المناضلين الأمناء على الرغم من قساوة
المراحل وجور الجلادين.
وها هي الساعة كما أراد لها القائد الشهيد بحوزة حزبه الذي راهن الزمن على استمراريته في الصمود على مبادئه التي
اعتلى منصة الاعدام من أجلها كدليل ساطع على مصداقية جملته التاريخية الأخيرة.
حريٌّ بحزبه أن يحتفظ بهذه الأمانة النادرة بما يناسبها من احتفاء ؛ احتفاء متحفي لائق؛ إنها جديرة أن توضع بأرقى المتاحف
الخاصة أو العامة جنب ساعة أخرى شاءت الاقدار أن تكون لقائد شيوعي باسل في صموده وشهادته قائد الحزب الخالد
الشهيد سلام عادل الذي هو الآخر بقيت ساعته بعدهُ شاهدةً على موقفه البطولي ومجسدة اقتران الزمن بالنضال وأن وسائل
الزمن الاعتيادية كفيلة بأن تكون آثارا تدل على كشف الحقائق وهتك الستور وبيان الوقائع، ومنها واقعة الاستشهاد
الأسطوري للبطل الأسطوري بعد تعذيب وحشي دام خمسة أيام مارسه قادة الحرس البعثي في قصر النهاية بعد انقلاب شباط
الدموي .
من الضروري؛ بل اللزوم أن يسعى الحزب الشيوعي إلى الحصول على هذه الساعة – ساعة الشهيد «سلام عادل»- من
الشخص الذي (غنمها) وهو(الشاعر) سامي مهدي الذي شهد حملة التعذيب الوحشي بإقراره الشخصي الطوعي حين أظهر
الساعة في فترة لاحقة مناكدا ومكايدا عدداً من المثقفين الشيوعيين في أحد المرابد في مدينة البصرة كانوا يحتفون بشاعرين
سوريين هما ممدوح عدوان وعلي الجندي كما ورد نصاً في كتاب «رهانات الستينيات» (فجأة بحركة همجية شرسة مباغتة
قطع ضحكنا بعرض ساعته ليرينا إياها معلنا :أنها ساعة سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي سلام عادل الذي
عُذّب تعذيباً وحشياً لا سابقة له، ص41) كان حريّا بجلادي الشهيد «سلام عادل» مدعي العروبية بأن يتحلوا بأبسط القيم
العروبية وأخلاقها التي تعف عن الغنيمة عند التمكن من الخصوم. وقد تجسد ذلك في الكثير من أمثالهم وحكاياتهم وأشعارهم
وأشهرها بيت عنترة من معلقته
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
يبدو أن (الشاعر)سامي مهدي لم يغش الوغى ولم يعف عند المغنم!! فأيهما الجاهلي الشاعر القديم أم الشاعر (الحداثي) زاعم
الحداثة ومتصنعها؟؟!!

عرض مقالات: