اخر الاخبار

في عددها الصادر  في 14 حزيران الماضي نشرت “طريق الشعب” لسان حال الحزب الشيوعي العراقي “حشع” النص الكامل  للتقرير السياسي الصادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنته المركزية، والذي تناول جملة من قضايا الساعة المحلية والإقليمية والدولية، واللافت في البيان أنه أفرد حيزاً وافياً عن الحرب الروسية - الأوكرانية، لما تحظى به من أهمية فائقة في ضوء استمرارها بلا حل، وما يفضي إليه ذلك من نتائج خطيرة مدمرة ليس على البلدين الجارين المتحاربين فحسب، بل وبما تشكله من تهديد للسلم والأمن الدوليين على صعيد القارة الاوروبية والعالم أجمع. ويمكن القول إن البيان نجح إلى حد كبير في تشريح الأزمة الأوكرانية بشكل متوازن وموضوعي، حيث جاء امتدادا مسهباً لبيان الحزب الصادر غداة لجوء روسيا إلى حلها بالوسيلة العسكرية أواخر شباط الماضي تحت اسم “العملية العسكرية الخاصة”. ويمكننا التعبير عن أبرز ما جاء في البيان من تشخيص للأزمة في النقاط الأربع التالية:

الأولى: مع التسليم بأنه جرى تحذير روسيا من مغبة انجرارها إلى مستنقع الحرب مع أوكرانيا، إلا إن ذلك لا ينفي ما لعبه الغرب من دور محوري في مفاقمة الأزمة ودفعها للانفجار، وثمة مخاوف جدية الآن من تحولها إلى حرب عالمية مدمرة في ظل أصرار موسكو على مواصلتها حتى تحقيق ما تسميه بأهدافها، وإصرار الغرب من جانبه على معاقبتها واستنزافها بالعقوبات الدبلوماسية والاقتصادية والمصرفية والتكنولوجية والعسكرية بالتوازي مع تدفق الأسلحة المتطورة على كييف بلا انقطاع.

الثانية: إن العقوبات الغربية (وعلى عكس تهوين موسكو منها) نجحت في خلخلة بنية نظام الرئيس بوتين، وعزل روسيا إلى حد بعيد، وإن لم تظهر بعد آثارها الاقتصادية، كما تكبدت معظم بلدان أوروبا خسائر طائلة من الحرب بموازاة أزمة اقتصادية تضرب العالم، حتى وصل التضخم مستويات غير مسبوقة.

الثالثة: أدت إطالة الحرب إلى استجابة فنلندا والسويد المعروفتين بحيادهما العسكري للضغوط الأميركية لتطلب الانضمام للناتو، ما ينذر باتساع رقعة النزاع العسكري على الساحة الأوروبية، ويعزز فرص اليمين المتطرف والقوى الفاشية في أوكرانيا- كما الدول الأوروبية - لاستغلال أجواء الحرب والأزمة لتعزيز مواقعها ونشر الأفكار الشمولية والعنصرية وبما يفسح المجال أيضاً للتضييق والبطش بقوى اليسار وسائر القوى المناهضة للحرب والمحبة للسلام.

الرابعة: في إشارة ضمنية إلى تخطئة موسكو للجوئها لخيار الحرب، أكّد البيان أن الحزب الشيوعي العراقي كغيره من القوى المنادية بالسلم، يعتبر الحروب والاعتداء على الدول وانتهاك سيادتها أموراً مرفوضة مبدئياً، لما تفضي إليه من دمار وخسائر بشرية هائلة وتعطيل الحياة العامة، وشل الحياة الاقتصادية والحاق الضرر بالمدنيين وترويع النسوة والأطفال.

ومع أن العديد من قوى وكتّاب اليسار في العالم، وبضمنه عالمنا العربي، بنى موقفه من هذه الأزمة المعقدة استنادا لوقوف روسيا بقوة ضد الغرب، ولكونها مستهدفة من “الإمبريالية الأميركية”  وحلف “الناتو” أو لأن الحزب الشيوعي الروسي أعلن أيضاً وقوفه الكامل خلف القيادة الروسية بلا تحفظ، إلا أنه  في تقديرنا، ومع كل الاحترام لتلك الأقلام والقوى، نرى أن قراءة الحزب الشيوعي العراقي للأزمة تتحلى بقدر عال من الموضوعية والمسؤولية، لا لإلمام وإطلاع قيادته بجذور الأزمة تاريخيا وحاضراً في كلا البلدين فحسب، فضلاً عن صدور القرار -كما يُفترض-  بعد تدارس دقيق وحوار مسهب، بل و لأن “حشع”  ومناضليه وشعبه وقواه الوطنية والديمقراطية ذاقوا ويلات الحروب التي أدخل دكتاتور النظام السابق صدام حسين شعبه في أتونها طوال نحو ربع قرن من حكمه ( 1979- 2003)، والتي خلفت ملايين الشهداء والأيتام والأرامل والمعوقين والمشردين، وهذه النتائج المدمرة البشرية، ناهيك عن كوارثها العمرانية والبيئية والاقتصادية التي ما يزال الشعب العراقي يدفع فواتيرها، والتي خبرها الحزب الشيوعي هي ما أملت عليه بالضبط التوخي من شرور الحرب الروسية - الأوكرانية، خشيةً من تعرض كلا الشعبين الروسي والأوكراني لحصادها المر أيضاً. ومن المفيد هنا أن نعيد تذكير ما كان يردده عميد الدبلوماسية السوفييتية أندريه جروميكو، وهو من جيل القيادات السوفييتية التي تعاقبت بعد ستالين وكانت تتوجس من المواجهة النووية مع الولايات المتحدة وخبرت مآسي وكوارث الحرب الوطنية العظمى:” أن تنفق عشر سنوات في المفاوضات خير من أن تخوض حرباً ولو يوماً واحداً”.

عرض مقالات: