اخر الاخبار

واقعآ سأحاول مناقشة مدى دستورية قانون الامن الغذائي من وجهة نظر قانونية بحتة. وذلك من خلال موقف القانون الدستوري المقارن وبعيدا عن المماحكات والمزايدات والتوظيف السياسي وتصفية الحسابات الشخصية...؟ وعموما كرست مرجعيات القانون الدستوري وادبياته التي تسترشد بها جميع الدول التي تأخذ بالنظام  البرلماني فهي تذكرنا دائما وباستمرار ان السلطة التنفيذية (الحكومة) تمارس وظيفتها الادارية او المالية او الاقتصادية من خلال امتلاكها للسيادة  والصفة الدستورية التي تمنحها لها السلطة التشريعية (البرلمان)  وذلك من خلال منظومة من المعايير والمسوغات القانونية والتي يمكنني أيجازها باختصار : أولا ( منح الثقة للحكومة من قبل البرلمان) وثانيا (تأدية الحكومة للقسم القانوني أمام البرلمان) وثالثا (اقرار البرنامج الحكومي أمام البرلمان).. وهنا نحن امام موقف قانوني يتسم بنوع من الغرابة في تصديق البرلمان على مقترح الحكومه بصدد قانون الامن الغذائي. خاصة اذا علمنا ان السلطة التشريعية القائمة لم تمنح الولاية الدستورية لممارسة هذه الحكومة لسلطاتها واختصاصاتها وبذلك عدم خضوعها إلى رقابة السلطة التشريعية ولا يحق للبرلمان مساءلتها امامه...؟ والتي يمكن توصيف الحكومة على ضوء ذلك بأنها (حكومة مؤقتة اي حكومة تصريف للأعمال) ...؟ بمعنى ان البرلمان الحالي لا يمتلك خيارات سحب الثقة منها او استجواب وزرائها امامه او أقالتهم أواقالة الحكومة نفسها في حالة الاساءة او الاخلال في تطبيق قانون الأمن الغذائي وذلك بسبب انتفاء الرابطة الدستورية بينهما وهذا ما يقول به صحيح القانون الدستوري المقارن.. وهذه تشكل تحديات قانونية من الصعب تجاهلها...؟ ولهذا فأن غياب او انتفاء وجود هذه المعايير الدستورية الثلاثة اعلاه تنتفي معها جدليا القيمة والقوة القانونية بالمصادقة على قانون الأمن الغذائي والآثار المترتبة عليه بسبب ان الحكومة الحالية غريبة عضويا وموضوعيا عن مجلس النواب ولم تكن من نتاجه او من خياراته وفق الاصول القانونية المرعية...!! وهكذا ومن خلال استقراء الواقع القائم حاليا بالعراق نؤكد على غياب الرابطة والصفة والأهلية الدستورية للحكومة بعلاقتها مع البرلمان الجديد لأنها وبالضرورة القانونية لم يمنحها هذا البرلمان الاهلية والصفة الدستورية لممارسة وظيفتها العامة. كما ان هذا البرلمان لا يشكل المرجعية الدستورية لهذه الحكومة...؟ ((كونها لم تحصل على ثقته ولم تؤد اليمين القانوني امامه ولم يتم اقرار برنامجها الحكومي من قبله)) بل حصلت على ثقة برلمان سابق وقامت بتأدية اليمين القانونية أمام برلمان غير موجود حاليا وتم حله ولم يعد له وجود في التركيبة الدستورية لمؤسسات الدولة العراقية أصلا وسقط بالتقادم الزمني وأصبح من الماضي وذلك بانتهاء دورته النيابية...؟ وعلى ضوء ما تقدم لابد لي أن أشير مجددا بأن البرلمان العراقي الحالي لا يمتلك أية ولاية دستورية ومحرم عليه دستوريا محاسبة هذه الحكومة او استجواب وزرائها في حالة إساءة استعمال السلطة او الاخلال بالمسوغات القانونية في تطبيق مفردات قانون الأمن الغذائي بشكل سليم وعادل.. ولهذه المبررات أجد أن قانون الأمن الغذائي لا يمتلك المواصفات والقاعدة الدستورية لاقراره من قبل البرلمان؟ مع تقديرنا أن برنامج الأمن الغذائي هذا يشكل حاضنة مالية واقتصادية هامة للتنمية البشرية بالعراق ولديه منظومه من الايجابيات الفعلية في حالة تطبيقه بشكل خلاق وبأمانة وطنية لمصلحة فقراء وشغيلة العراق اصحاب المصلحة الحقيقية في بناء عراق مدني عابر للطائفية وللفساد المشرعن وذلك من خلال رقابة قانونية صارمة وبعيدا عن أيدي وجيوب مافيات الفساد المالي والاداري المتجذرة في الواقع العراقي مع الأسف بسبب سياسة المهادنة والافلات من العقاب ...؟

ــــــــــــــــــــــــــ

*حقوقي واستاذ جامعي

عرض مقالات: