اخر الاخبار

مظفر عبد المجيد النواب تخرج من كلية الآداب قسم اللغة العربية، واشتغل مدرسا في مدينة المسيب لسنة واحدة ثم فصل لنشاطه الوطني . أُعيد الى الخدمة بعد ثورة 14 تموز 1958 وعيّن مديراُ للنشاط الفني في وزارة التربية، ثم أخرجوه منها ونقلوه الى متوسطة الفجر في الكاظمية، حيث كنتُ هناك مدرساّ للرسم والإنكليزية.

في اليوم الأول زار مرسمنا المتواضع، وصار هذا المرسم مكانه المعتاد محاطاّ بلفيف من الطلبة المهتمين بالرسم والأدب. وبعد فترة صرنا لا نفارق بعضنا متابعين النشاطات الفنية والأدبية في المدرسة وخارجها، خاصة زياراتنا المتكررة الى اتحاد الادباء.

 بعد انقلاب شباط 1963 اختفى مظفر، وأُودعت انا السجن، ولم نلتق إلا نهاية سنة 1964، حين قامت السلطات الإيرانية بتسليم مظفر (الذي هرب إثر الانقلاب إلى الاراضي الايرانية) تسليمه الى السلطات الانقلابية في بغداد، التي أودعته في سجن الموقف.

بعد توقيف استمر سبعة عشر شهراّ جرت محاكمتي، وحكم عليّ بالسجن عشر سنوات وتم تسفيري مباشرة إلى سجن نقرة السلمان. وبعدها بشهر جرت محاكمة مظفر وحكم عليه بالإعدام، ثم خفض الحكم إلى عشرين سنة وجرى تسفيره إلى نقرة السلمان كذلك.

 كان قد تم إطلاق سراحي اثر حرب حزيران 1967، حين استطاع مظفر وعدد من رفاقه ان يحفروا نفق سجن الحلة المشهور ويهربوا، ولم تستطع السلطات العثور عليهم.

وحدث إنقلاب البعثيين على حكومة القوميين في تموز 1968 واطلق سراح المعتقلين، فعاد مظفر إلى اهله حيث قبضوا عليه مرة أخرى. لكنه مكث هذه المرة يوما او يومين فقط،  عندما طلب صدام من الأمن أن يطلقوا سراح مظفر ليذهب كي يراه اهله، ثم يأتوا به اليه، إلى صدام الذي خاض معه خلال ما يتجاوز ساعة ونصف الساعة، نقاشا سياسيا عاما وصريحا ألح فيه مظفر على اعتماد مبدأ التسامح.

وصادف في وقتها ان طرحت مسألة مطشر حواس، فطلب مظفر من صدام أن يكون تعامله معها بادرة خير، فوعده صدام خيرا وأن الأمور “ستجري كما تشتهي”. لكن ما حدث هو ان مطشر حواس اُعدم صباح اليوم التالي.

في سجن النقرة كنا مظفر وأنا نحيي للمسجونين حفلة كل ثلأثة أو اربعة أسابيع، فيقرأ مظفر أحدث قصائده وألتحق أنا به لنغني معا.

وكنا نجمع ما يبعثه لنا الأهل من نقود، حيث كان يصله اربعون دينارأ ويصلني أنا ديناران، وكان عندنا كنتور فيه جيوب نضع في احدها فلوسنا لنصرفها على احتياجاتنا اليومية.

وخلال فترة الشراكة جاء احد السجناء الى مظفر وطلب منه ان يعطيه ما يكمل المخصص له من التنظيم، والمخصص يساوي عشرين فلسا لا تكفيه لشراء علبة سگائر ثمنها أربعون فلسا. فذهب مظفر الى الكنتور واخرج ما فيه وكان ديناران وربع الدينار، واعطاها كلها الى ذلك السجين. وبقينا الى نهاية الشهر لا نملك مانشتري به كوب شاي. وقضينا قرابة اسبوعين لا نشرب الا من شاي الحكومة في الصباح، ولا نقترب من الحانوت حتى “لا يصيح أحد علينا وير”.

ولاحقا عملها ابو عادل مرة أخرى، حين  جاءته امرأة مسنة هي ام لأخوين من اصدقائه، فذهب ليسلم عليها. ولكنه عاد بعد نصف ساعه وخمط كل ما في جيب الكنتور وكان مبلغا قدره  ثلاثة دنانير ونصف الدينار.ومرة اخرى بقينا حتى نهاية الشهر نراقب الحانوت من بعيد ولا نقربه!

وهنا توجهت الى مظفر وقلت له انني حل من هذه الشراكة، ولن اساهم بشيء في الشهر القادم. ولما ألح علي لمعرفة السبب، اخبرته أنني تضررت من هذه الشراكة، حيث كنت اقبض دينارين كل شهر بحواله من الأهل، فأصرف دينار ونصف الدينار منها واوفر نصف دينار، وانتظر ستة اشهر حتى اجمع ثلاثة دنانير واطلب من اهلي ألا يرسلوا لي حوالة ذلك الشهر، بل ان يذهبوا بمبلغها إلى مكتبة كورنيت في الباب الشرقي ويشتروا لي خمسة كتب من الادب الانجليزي سلسلة بنگوين.

أخيرا اقول: كان مظفر مفكرا وفنانا تكمن سعادته في خدمة الاخرين. وكان اضافة الى مواهبه المتنوعة، مربيا جيدا وانسانا مسالما ومناضلا صلبا.