اخر الاخبار

لم يعد تعاطي المخدرات مجرد ظاهرة، رغم أن الظاهرة تتسم بالسعة وبالحجم المثير للقلق، أنها أكبر مما عليها في بلدان أخرى إذ تعود العراق بعد العام 2003 أن يكون في مقدمة كل دول الأرض وسباقا فيما هو سيء وردئ، غير أن موضوعنا اليوم لا يمكن أن يقاس بمعايير ودرجات السيء والرديء من الأفعال، أنه موضوع يدخل في خانة الخيانة العظمى، ولا نغالي إذا قلنا إنه كفر بما استقرت عليه البشرية من عقائد واديان، بل وحتى الأفكار الطوبائية.

إن حجم المشكلة يفوق بكثير نسبة التعاطي التي أعلن عنها وزير الداخلية، ذلك أن ارتدادات نسبة ال 50 بالمئة الاجتماعية والاقتصادية ستكون ارتدادات بمتوالية هندسية تصيب العقل والمال والناموس، وتنخر البناء الأسري والصحي والتربوي، وتنتج بناء فوقيا معبأ بالهلوسة، والتفكير بالجريمة، والانحراف المضاعف. وهذه صفات غريبة جدا مضروبة في أربعين مرة، عما استقر عليه مجتمعنا قبل الاحتلال ، ورب قائل يقول إن سبب عدم انتشار المخدرات في عهد النظام السابق يعود لأساليب الدكتاتور القمعية وشمولية الدولة، وبوليسية الحكم، الجواب لا، أن عدم التعاطي لم يكن بسبب الخوف من أساليب بطش النظام السابق،  إنما يعود بدرجة أولى إلى وجود كوابح اجتماعية والى عدم وجود معروض سلعي مخدر، لأن تاجر المخدرات يصعد خشبة الاعدام دون تردد،  ولأن غياب التجارة بالمخدر يقف خلفها رجل أمن محترف، وحرس حدود ذوي شكيمة كانت تفرغ كل عقل يريد التهريب من محتواه الجرمي، أو كل نية من النوايا الخبيثة، نعم البطش وفقا لقواعد القانون، لا بإرادة فرد ، نعم الشدة وفقا للقانون،  أمنية باتت كامنة في صدر كل مواطن لا فقط في موضوعة المخدرات بل كل المواضيع التي تهم الحياة العامة . كما أن ازلام النظام السابق لم يكن أي منهم طرفا في تجارة تذهب العقل وتفتت الصحة.

وفي ندوة تلفزيونية أجاب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، نعم أن هناك مسؤولين في الدولة والسياسة يروجون للمخدرات.

الأسباب العامة لتجارة المخدرات في العراق

اولا- الحدود المفتوحة. رغم كل الصخب الذي يتبناه الإعلام الحكومي، والإعلام الأمني بصفة خاصة، لا زالت الحدود ليست بحدود آمنة، ولأسباب منها قلة الوحدات الفاعلة المنتشرة، وثانيا سوء التوزيع او سوء الانتشار العسكري وثالثا مهنية القطعات المنتشرة ورابعا نزاهة القادة والآمرين والمنتسبين الماسكين بالأرض.

ثانيا- السيطرات والقدرة على ضبط المهرب. أن الضبط العسكري الذي درجت عليه أغلب الوحدات الأمنية بكل صنوفها هو أقل بكثير عما كانت عليه حالة الانضباط العسكري في الجيش والقوى الأمية التي كانت تعمل ابان حكم النظام السابق، وذلك لوجود تقاليد عسكرية راسخة تقف خلفها عقيدة أمنية هي الأخرى راسخة، وهذه لوحدها كانت كافية، اضافة الى مهنية الضباط وحرفية المراتب. وشدة العقوبات. ولو مرة أي منا خلال مفرزة أمنية، فإنه سيلاحظ ثمة خلاف بين انضباط مفرزة وتهاون أخرى، كما أن بعض المنتسبين لم يدخلوا الدورات الكافية لمسك الأرض وتنفيذ الواجب، واكتشاف المخدر.

ثالثا- المافيات ومن يقف خلفها، تعرف المافيا في العموم، بانها اتحاد عصابات، syndicate، وهو وصف يقصد به تجمع لعصابات الجريمة، وتكوين منظمة جديدة لحماية عناصرها وابتزاز الآخرين باستخدام الترهيب العنيف، وتتلاعب بالاقتصاد المحلي، بالاتجار غير المشروع، مثل الاتجار بالبشر، أو الاتجار بالمخدرات، أو الاتجار بالأعضاء البشرية، أو الاتجار بالأموال عن طريق غسيل هذه الأموال، ويقع في اختصاصها ايضا إدارة الملاهي ودور القمار أو الاتجار بالجنس. وغيرها من الأعمال المنافية للأخلاق والقانون. وعادة ما يقف وراء هذه المافيات مسؤول متنفذ، سياسي أو حكومي، وقد تشكلت أولى المافيات في ايطاليا، ولا زالت تتحكم في الكثير من النشاطات الاقتصادية في ايطاليا وانتقلت تنظيماتها إلى بلدان العالم الاخرى لتأخذ هي الأخرى العولمة كوسيلة لعبور الحدود الدولية.

رابعا- الفساد، وهو سلوك بيروقراطي منحرف يستهدف تحقيق منافع شخصية بطرق غير قانونية، أو هو قيام موظفي الدولة بتوظيف صلاحياتهم ومواقعهم الوظيفية للحصول على مكاسب غير مشروعة.

خامسا- غياب المسؤولية الحكومية. منذ حكومة اياد علاوي، تتعاقب الحكومات وترحل دونما رقيب أو حسيب، وكل يلقي باللوم على سابقيه، عندها ضاع الحصر، وضاعت المسؤولية، وصارت الكابينات الوزارية تتنصل بسهولة لانعدام المسؤولية التضامنية، ولأن الحكومات المتتابعة كانت حكومات القسمة، التحاصص، فكانت ولا زالت الحقائب الوزارية عبارة عن اقطاعيات كل منها يغرد خارج السرب ويلتحق بالكتلة وقتما يريد ويأخذ توجيهاته منها، كما وان الهيئات الحكومية صارت تدار حزبيا ولها أن تمرر ما يريد الحزب لا الدولة. وصارت المنافذ الحدودية الرسمية والمطارات ونقاط العبور الدولية مقسمة عموديا بين الأحزاب أما المنافذ غير الرسمية فصارت هي الاخرى مقسمة أفقيا بين المافيات التابعة للكيانات السياسية، ومن هنا بدأت مشكلة التهريب.

أن التهريب في العراق قبل العام 2003 لم يكن معروفا او أنه مورس بأضيق الحدود ويكاد أن يكون متساويا مع المألوف دوليا، وذلك بفعل وطنية ومهنية وحرفية القوى الأمنية كافة ، وللتاريخ لم نسمع إلا ما ندر بانخراط أي مسؤول بأعمال تتعلق بالتهريب ، أو حتى بالإعفاء الكمركي ، وكانت الحكومات منذ تأسيس الدولة عام 1921 تعمل على الدوام على استحصال الرسوم الكمركية في المنافذ الحدودية المعروفة قانونا، وكانت الدوائر المعنية إضافة إلى ما تقدم تأخذ نماذج من السلع المستوردة وتعرضها على الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية لفحصها فيزيائيا وكيميائيا، وتعرض ذات النماذج على مختبر الصحة المركزي لفحصها من النواحي الصحية ومدى صلاحيتها للاستخدام البشري ، ولا يتم التصرف بها بيعا أو استعمالا الا بعد ظهور نتائج الفحص 

أن تعدد المنافذ الحدودية الرسمية، وانتشار المنافذ الحدودية غير الرسمية، وقلة المهنية لدى القوى الأمنية، وانتشار الفساد ، وإهمال الحكومات المتعاقبة لأهمية هذه المنافذ ، وتوزيع البعض منها على القوى الفاعلة، كل ذلك أدى إلى قيام التهريب بكل أنواعه وانماطه ومنها تهريب الأموال والافراد والبضائع وأخيرا المخدرات، فقد أعلنت وزارة الداخلية نقلا عن موقع AA ، أن الوزارة خلال شهر كانون الثاني من العام الحالي 2022 ألقت القبض على 1300 تاجرا ومتعاطيا للمخدرات ، اضافة الى ضبط أكثر من 32 كغم من المواد المخدرة وعلى مليون  و 117 ألف حبة من حبوب الكبتاكون ،،captacon ،  واسمها العلمي ،،fenethylline ، وهي حبوب مخدرة مذهبة للعقل.

أن انتشار مافيات تهريب المخدرات في العراق فاق المقبول وتعدى المعقول ، وصار يشترك فيه الكثير من الذوات والعقول، حتي صرنا نسمع كل يوم بإلقاء القبض على كذا أفراد أو مافيات لتهريب المخدرات من والى العراق، ولم يعد الأمر بظاهرة بل تعداها إلى القاعدة التي باتت تهدد المجتمع وتفتك بشبابه وقواه الفتية العاملة، وان المخدرات إضافة إلى فعلها الماضي على عقول الفئات العزيزة والغالية لدى كل المجتمعات، أضحت تهد الكيان الاقتصادي الأسري لفداحة أسعار هذه المخدرات ، وتهدم كيانات الأسر وفعلا صارت كل ساعة تهدد الامن الاجتماعي ، كما وان المخدرات باتت تتوسع لتفوق ما ذكره السيد وزير الداخلية ، لتصل إلى مديات صارت تهدد الأمن العام والتعليم العام ، وصارت قرب الجامعات والمدارس، والبلد حقا بلا حارس ، وصارت المافيات توزع وتمارس ، والكل لاه بان يكون هو الفارس ، والموزع ابن مسؤول أو أخ لتاجر، أو أم لشخص متأمر ، أو أخت لمن وضعه القدر أمام حظ العراق العاثر، وحرب المخدرات ناعمة على العراق ، أسلحتها فتاكة وأموالها من كتف الخزينة التي باتت مملوءة وحزينة تنتظر سارقا جديدا يتركها خاوية مسكينة.

أن القانون قبل السقوط كان يقضي بالإعدام لكل من مارس تجارة المخدرات، واليوم تشتد المطالبة بتكييف العقوبات المشددة على مرتكبي تجارة المخدرات وبموجب المادة 27 من القانون رقم 50 لسنة 2017، نطالب بتوقيع أشد العقوبات بحق جنود الحرب الناعمة وضباطها من المسؤولين الذين يشنون الحرب على شبابنا وبلدنا لأنهم يرتكبون الخيانة العظمى وهي أعلى مراحل السقوط بحق الوطن وقواه الفتية العاملة دوما على البناء والتعمير.